جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

دروس من التاريخ في زمن الوباء

كيف ستكون عواقب الوباء على المدى الطويل؟ إن وجدت إجابات واضحة فستكون محدودة. ففي القطاع المالي، تتمتع الأسواق بضوابط وأرصدة ومثبتات تلقائية.
إن تتبع تأثير الأشهر القليلة الماضية للتخطيط للمستقبل أشبه بالتخطيط لهجوم في لعبة الشطرنج؛ حيث يمكنك توقع رد فعل الخصم وإن كان التوقع يظل غير مؤكد؛ حيث يمكن لبعض الحركات غير المتوقعة للخصم أن تبطل عمل استراتيجيتك. إذا أخذنا ذلك في الاعتبار، فإننا نستطيع القول إن وباءين تاريخيين كانا من الصعب التنبؤ بعواقبهما المالية في حينه.
حدث أن أخذت آفة في الانتشار وسط محصول البطاطس الآيرلندي منذ 175 عاماً، وأدت إلى معاناة شديدة وغيرت مجرى التاريخ. فمن دون مجاعة البطاطس ما كان للولايات المتحدة أن تستفيد من تدفق المهاجرين الآيرلنديين الذين كان تأثيرهم كبيراً. وهناك ثلاثة رؤساء حتى الآن تحدروا من مهاجرين فروا من المجاعة: كينيدي، وريغان، وأوباما.
فمن دون المجاعة كان من شبه المؤكد أن يحدث استقلال آيرلندا عن المملكة المتحدة بصورة مختلفة تماماً، وربما تغير حال الحرب الأهلية في آيرلندا، ولتغيرت الاضطرابات في أولستر، وكذلك التأرجح بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. من الناحية الديموغرافية، لا يزال من الممكن الشعور بتأثير المجاعة والهجرة التي حفزتها. ففي العام الماضي، كان عدد سكان آيرلندا 4.9 مليون نسمة - وهو أكبر عدد لسكانها منذ أكثر من قرن - لكن الرقم لا يزال أقل من 5.1 مليون المسجل في عام 1850. وخلال الفترة ذاتها، ارتفع عدد سكان إنجلترا وويلز إلى 59.4 مليون من 17.9 مليون.
حدث ذلك بينما كانت آنذاك أقوى دولة في العالم. لكن كيف أمكن السماح بحدوث ذلك؟ منذ البداية، توصل المؤرخون إلى تفسيرات مختلفة تماماً؛ حيث تم عقد مقارنات منطقية مع «الهولوكوست»؛ حيث جادل المؤرخون الآيرلنديون بأن البريطانيين أذنبوا بارتكاب إبادة جماعية متعمدة. وإذا كان رئيس وزراء المملكة المتحدة توني بلير قد قدم اعتذاراً رسمياً لآيرلندا عن فعل القليل، فإن منظري السوق الحرة في معهد «ميزس» رأوا أن «الحكومة الإنجليزية قد أذنبت بفعل الكثير». وتقول الحجة التحررية إنهم لو لم يتدخلوا في أعمال السوق الحرة، لكانت آيرلندا قد تعاملت مع الوباء بشكل أفضل.
لكن واحدة من أكثر الأفكار إثارة للاهتمام التي سمعتها كانت من مؤرخ «كامبريدج» تشارلز ريد، في كتابه «مبدأ عدم التدخل: المجاعة الآيرلندية والأزمة المالية البريطانية». فقد ناقش هذا الأمر مع المؤرخ البريطاني دان سنو في حلقات إذاعية بعنوان «أحداث تاريخية» التي أوصي بها بشدة. يجادل ريد بأنَّ ردَّ الفعل البريطاني قد تقوض بسبب سوء الإدارة المالية الذي أدى إلى أزمة تشبه كثيراً في أساسياتها تلك التي نعيشها في عصرنا الحالي.
باختصار: من الواضح أنه بعد أن أفسح روبرت بيل المجال للورد راسل كرئيس للوزراء، تم رفع الضرائب الآيرلندية، وأصبحت المنح قروضاً يجب سدادها.
لكي نكون واضحين: لا شيء يبرئ البريطانيين؛ لكن لماذا بالضبط عكسوا هذا المسار بشكل سيئ؟ يرى ريد أننا يجب أن نلوم سوق السندات. هذا ما حدث لأسعار الفائدة على السندات الحكومية التي هيمنت على إقراض الخزينة في ذلك الوقت، بعد أن حاولت الحكومة اقتراض مزيد من الأموال للتعامل مع المجاعة.
كانت سوق السندات في حالة ثورة، وكذلك كانت سوق الذهب. كانت بريطانيا في تلك الأيام مهيمنة مالياً مثل الولايات المتحدة الآن؛ لكن لم يكن لديها الامتياز الباهظ لطباعة مزيد من عملتها كما تشاء. كانت لا تزال مرتبطة بمعيار الذهب، ولديها بالفعل كثير من الديون المستحقة من حروبها الناجحة في وقت سابق من القرن الماضي. لذلك، بينما حاول السياسيون البريطانيون جمع الأموال لتمويل جهود الإغاثة الآيرلندية، قرر المستثمرون المطالبة بأموالهم من بنك إنجلترا على هيئة ذهب، لا على هيئة أوراق نقدية.
كانت الأشهر الستة الماضية مختلفة تماماً، وربما كانت أكثر إيلاماً لو كان الدولار لا يزال مرتبطاً بالذهب. ففي القرن التاسع عشر لجأ البريطانيون إلى تحميل الآيرلنديين أنفسهم عبء جهود الإغاثة الآيرلندية، ورفعوا الضرائب عدة مرات. وكانت النتيجة مجاعة وموتاً وهجرة جماعية لا تزال آثارها محسوسة حتى اليوم.
يمكن القول إن فيروس «كوفيد- 19» هو أسوأ جائحة منذ الإنفلونزا «الإسبانية» عام 1918. فلحسن الحظ، تبين أن فيروس «كورونا» أقل فتكاً بكثير؛ لكن الآثار اللاحقة للإنفلونزا الإسبانية تشير إلى أن التأثير المالي يمكن أن يكون غير متوقع. قد تعتقد أن الوباء التاريخي من شأنه أن يلحق أضراراً جسيمة بصناعة التأمين على الحياة؛ لكنه لم يفعل.
تشير ورقة بحثية جديدة أعدها جوستافو كورتيس من جامعة «فلوريدا» وجيرتجان فيرديكيت من جامعة «موناش» الأميركية، إلى أن الإنفلونزا الإسبانية كانت «نعمة مقنعة» لشركات التأمين على الحياة الأميركية؛ لكن الأهم من ذلك بالنسبة للصناعة أنها انخفضت بعد ذلك بحدة، إلى معدلات أقل مما كانت عليه في معظم فترات العقد السابق. فقد تسبب المرض في وفيات كثيرة. وبعد حدوث عثرة في عام 1918، حدثت وفيات أقل من المعتاد في السنوات التالية. وفي الوقت نفسه، ضمنت الجائحة طلباً أقوى بكثير، وسارع الأشخاص الذين ربما حاولوا العيش من دون تأمين قبل سنوات قليلة إلى شراء التأمين عام 1919. وبعد أن تراجعت أسهم شركات التأمين على الحياة لفترة وجيزة أثناء تفشي الوباء، عوضت جميع الخسائر في غضون أشهر من نهاية الوباء.
ومع قدرة المستثمرين على رؤية توقعات جيدة على المدى القريب، تمكنت الشركات من جمع مزيد من الأموال في عروض الأسهم.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت عمليات التأسيس الجديدة لشركات الحياة في عام 1919؛ مما سهَّل مرة أخرى على الصناعة استيعاب تأثير الوباء.
مع آفة البطاطس، ضاعفت الآليات المالية أزمة الصحة العامة لتصبح كارثة إنسانية واقتصادية. وبعد الإنفلونزا الإسبانية، ساعدت الأسواق المالية البلاد على تقليل الضرر. فقط ضع هذا التباين في الاعتبار عند محاولة التنبؤ بكيفية تعاملهم مع تداعيات «كوفيد- 19».
مناقشات المناظرة الرئاسية قد لا تساعد في تحديد الفائز، فقبل أربع سنوات، كانت هيلاري كلينتون قد فازت في المناظرات الثلاث، وارتفعت السوق بنسبة 0.64 في المائة و0.46 في المائة، تلاه انخفاض بنسبة 0.14 في المائة، ثم فاز دونالد ترمب في النهاية.
يقوم ترمب ببناء التوقعات؛ لكن تحقيق نصر كبير له سيكون صعباً. فغالباً ما يواجه الرؤساء الحاليون مشكلة في مناظرتهم الأولى. فقد شهدت المناظرة الأولى بين ريغان وموندال في عام 1984 وجود منافس حازم يسجل عدداً من النقاط ضد شاغل الوظيفة الذي فقد خيط أفكاره تماماً في مرحلة ما، واستعاد ريغان عافيته في المناظرة الثانية، وفاز بأغلبية ساحقة.
كذلك بدا جورج دبليو بوش غير مستعد في أول مناظرة له ضد جون كيري عام 2004؛ حيث استغرق في وقت ما دقيقة كاملة لبدء الإجابة عن سؤال بسيط؛ لكنه فاز في الانتخابات. وقدم باراك أوباما أسوأ أداء في حياته المهنية في مناظرته الأولى ضد ميت رومني في عام 2012، ورغم ذلك أعيد انتخابه بأغلبية مريحة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»