كريس ميلر
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

أميركا تخنق «هواوي»

أعلن النائب العام الأميركي ويليام بار، أن الصين: «تخطط للهيمنة على البنية التحتية الرقمية على مستوى العالم»، بينما حذر وزير الخارجية مايك بومبيو، من أن «دولة مراقبة على الطراز الأورويلي (نسبةً إلى الكاتب جورج أورويل)» تقف بالجوار. وعبر مجالات متنوعة ما بين تقنية التعرف على الوجوه والذكاء الصناعي، وصولاً إلى تكنولوجيا الاتصال عن بُعد لشبكات الجيل الخامس، غالباً ما يبدو الوضع كأن الصين أصبحت بالفعل القوة التكنولوجية الأولى عالمياً.
ومع ذلك، فإنه لدى إمعان النظر في الوضع الراهن، تبدو الصين في موقف أضعف بكثير. دعونا ننظر إلى «هواوي»، على سبيل المثال، والتي ترى إدارة ترمب أنها تعد نموذجاً للإعانات الحكومية غير العادلة من جانب بكين ونشاطات التجسس على مستوى الشركات.
علاوة على ذلك، تمثل الشركة أفضل ما وصلت إليه التكنولوجيا الصينية: فهي تطرح منتجات فاعلة بأسعار تنافسية، ولاقت أجهزة الهواتف الذكية ومعدات شبكات الجيل الخامس التي تنتجها ترحيباً من جانب عملاء في مختلف أرجاء العالم.
أيضاً، تمثل «هواوي» اعتماد الصين العميق على التكنولوجيا الأجنبية -خصوصاً الأميركية. وبحلول 15 سبتمبر (أيلول)، أصدرت وزارة التجارة تنظيمات جديدة جعلت في حكم المستحيل على أي شركة بيع رقائق كومبيوتر إلى «هواوي» دونما الحصول على ترخيص من الحكومة الأميركية.
في الوقت ذاته، نجد أن الصين عاجزة عن إنتاج غالبية الرقائق المتطورة الأساسية بالاعتماد على نفسها. ويسلط اعتماد بكين على التكنولوجيا الأميركية الضوء على القوة الاقتصادية الاستثنائية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وكيف أن تخلّي الولايات المتحدة عن هذا التفوق التكنولوجي يعرّض هذا النفوذ للخطر.
جدير بالذكر في هذا الصدد أنه في الوقت الحاضر من المتعذر تصميم أو تصنيع رقائق الكومبيوتر المتطورة من دون الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية. وتنتج شركات أميركية مثل «كيدنس ديزاين سيستمز» و«لام ريسرتش» منتجات ضرورية لا غنى عنها بالمجال التكنولوجي. ومن خلال منع الوصول إلى هذه المنتجات والرقائق التي تنتجها مثل هذه الشركات، فإن هذا يعني أن وزارة التجارة الأميركية بإمكانها وقف عمليات الإنتاج لدى تقريباً أي شركة تكنولوجية بمختلف أرجاء العالم.
وعليه، فإنه حتى الشركات الواقعة خارج الولايات المتحدة يتحتم عليها الالتزام بالقواعد الجديدة. تجدر الإشارة هنا إلى أن شركة «إيه إس إم إل»، التي يوجد مقرها في هولندا، وتعد الجهة الوحيدة في العالم التي تصنع أكثر آلات الطباعة الحجرية الضوئية تقدماً على مستوى العالم وتعتمد على استخدام جزيئات من الضوء لِنحت دوائر على رقائق السيليكون، أوقفت مبيعاتها من المعدات الأكثر تقدماً للصين. كما أعلنت شركة «تي إس إم سي» التايوانية، واحدة من الشركات الرائدة عالمياً في إنتاج أشباه الموصلات، أنها ستوقف إنتاجها من أجل «هواوي» بعد بدء سريان التنظيمات الجديدة الصادرة من وزارة التجارة الأميركية.
المعروف أن الحصول على الرقائق الإلكترونية أمر حيوي لأي شركة تكنولوجية. واعترفت «هواوي»، من جانبها، بأن مخزونها من هذه الرقائق بدأ ينفد بالفعل. من ناحيتها، تصر «هواوي» على أنها ستصمد، لكن من الصعب التعرف على كيف يمكن للمنتجات الأساسية التي تقدمها الشركة -مثل معدات شبكات الجيل الخامس ومعدات الشبكات والهواتف الذكية وخدمات الحوسبة السحابية- البقاء دون تمكن الشركة من الحصول على الرقائق.
وفي سياق متصل، تناضل الشركة الصينية الرائدة بمجال إنتاج الرقائق، «إس إم آي سي»، من أجل بناء رقائق صغيرة تصل إلى 40 نانوميتر -جزء من المليار من المتر- دون الاعتماد على تكنولوجيا أميركية.
وتأتي هذه المساعي لقطع رأس «هواوي» بمثابة استعراض صادم للقوة الأميركية، ذلك أنها تكشف أنه بمجرد أن تراود رئيس أميركي مثل هذه الرغبة فإن أي شركة صينية تكنولوجية أخرى قد تلقى ذات المصير. ولك أن تتخيل لو أن باستطاعة قوة أجنبية إلحاق الأمر ذاته بـ«غوغل» أو «أمازون».
ومع ذلك، فإن نفوذ واشنطن الحالي أكثر ارتباطاً بنجاحاتها الماضية، عن مسارها المستقبلي. اليوم، تقف الولايات المتحدة في قلب صناعة الرقائق الإلكترونية العالمية بفضل سنوات كثيرة من الاستثمار في جهود الأبحاث والتطوير والابتكار والتي أثمرت منتجات جديدة وأرباحاً هائلة -وكذلك أدوات قوية ضد المنافسين على الساحة الجيوسياسية. وفي مواجهة «هواوي»، تعتمد إدارة ترمب على رقائق استلزم إنتاجها عقوداً تراكمية من الأبحاث والتطوير.
ويزيد كل ما سبق من أهمية ألا تسيء الولايات المتحدة تفسير الدروس المستفادة من الضغوط التي مارستها على «هواوي». لقد أظهرت واشنطن أن باستطاعتها استغلال قوتها التكنولوجية، لكن استغلال القوة شيء وتجميع هذه القوة وبناءها شيء آخر. وينبغي الانتباه إلى أن الحملة ضد «هواوي» نجحت فقط لأن دولاً أخرى تعتمد على التكنولوجيا الأميركية.
الآن، أصبح لدى هذه الدول حافزاً لتنويع مصادرها، في الوقت الذي لم يعد الوضع الأميركي بالقوة والصلابة التي كان عليها من قبل. وعليه، فإنه إذا استمر انحسار التفوق التكنولوجي الأميركي، فإن خنق «هواوي» قد يشكل نقطة ذروة النفوذ الأميركي على الشركات التكنولوجية في العالم، ومن بعد ذلك يبدأ منحدر الانحسار.
- خدمة «نيويورك تايمز»