تاي كيم
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

منافسة بين «إيبيك» و«أبل» بلا أضرار

لكل شخص أو كيان أجندة أعماله الخاصة به. وينسحب الأمر بصورة صحيحة على الشركات التكنولوجية الكبرى من شاكلة شركة أبل وشركة إيبيك، المطورة للعبة الفيديو الإلكترونية، المعروفة باسم «فورت نايت». ولكن مع حالة التنافس المحتدمة والمستمرة ما بين الشركتين التكنولوجيتين القويتين في المجال العام، عليهما أن يدركا، بل يعترفا، أن الأمور لا تسير على ما يُرام، وأن سياسات حافة الهاوية المعتمدة لدى كل منهما سوف ترجع عليهما بتكاليف بالغة وباهظة. فلا يتعلق الأمر بالآثار السيئة التي بدأت تلحق بأعمال الشركتين على الصعيد التجاري، وإنما صارت المنافسة الشديدة تؤثر بصورة كبيرة وبالغة السوء على العملاء، والشركاء، والمطورين لدى كلتا الشركتين، سواء بسواء.
اندلعت المعركة في وقت سابق من الشهر الماضي عندما قامت شركة إيبيك بتحديث تطبيق لعبة «فورت نايت» من جانب منفرد بهدف التحايل على نظام الدفع الخاص بمتجر أبل للتطبيقات الإلكترونية والمراوغة عن سداد عمولة بنسبة 30 في المائة. وأعقبت ذلك سلسلة من الإجراءات العقابية والدعاوى القضائية التي نشأت بين الشركتين. فأزالت شركة أبل تطبيق اللعبة من على متجرها الإلكتروني، ما دفع شركة إيبيك إلى رفع دعوى قضائية ضد الاحتكار، ونشرت فيديو ساخراً تتهكم فيه على إعلان قديم لشركة أبل، يرجع إلى عام 1984. وبعد ذلك بفترة وجيزة، أبلغت شركة أبل نظيرتها «إيبيك» بأنها تعتزم قطع وصول الشركة إلى أدوات المطورين، ما يؤدي بصورة فعلية إلى إيقاف قدرة شركة إيبيك على طرح تحديثات جديدة لمحرك الألعاب المسمى «أنريل إنجين» من تطوير شركة إيبيك، والذي يستعين به مطورو الطرف الثالث على نطاق كبير في بناء وتطوير ألعاب الفيديو الخاصة بهم.
وأصدرت السيدة إيفون غونزاليس روغرز، وهي قاضية المحكمة الجزئية الأميركية، قراراً يقضي بالانفصال. كما سمحت لشركة أبل بإبقاء لعبة «فورت نايت» خارج متجر التطبيقات الإلكترونية الخاص بها، ولكنها قضت في نفس الوقت بأنه ليس من حق شركة أبل منع شركة إيبيك من الوصول إلى أدوات المطورين لديها. ويعتبر أمر القاضية غونزاليس روجرز مؤقتاً، وليس نهائياً حتى تاريخ جلسة الاستماع التمهيدية، والمقرر انعقادها في 28 سبتمبر (أيلول) الحالي.
وعلى الرغم من رواية الخير في مواجهة الشر، حول تحدي احتكار شركة أبل لمتجر التطبيقات الخاص بها، فإن القصة الواقعية هي أكثر تعقيداً مما يبدو للعيان. أولاً، يتشابه هيكل الرسوم لدى شركة أبل بنسبة 30 في المائة مع معدلات العمولة المعروف لدى الجهات الأخرى من نفس الصناعة، بما في ذلك جميع المتاجر الرقمية لمختلف منصات ألعاب الفيديو الإلكترونية. علاوة على ذلك، صرّح السيد تيم سويني، وهو المدير التنفيذي لشركة إيبيك، قائلاً: «على المستوى الأساسي، فإننا نناضل من أجل حرية الأشخاص الذين ابتاعوا الهواتف الذكية الحديثة من أجل تثبيت التطبيقات من مختلف المصادر التي يختارونها وتروق لهم، وكذلك حرية منشئي التطبيقات في توزيع تطبيقاتهم، وفق رغباتهم الخاصة، فضلاً عن حرية كلتا الجماعتين في ممارسة الأعمال بصورة مباشرة من دون معوقات».
لذلك، في حين أن هيكل الرسوم المرهقة لدى متجر أبل للتطبيقات يحظى باهتمام كبير للغاية، تطلب شركة إيبيك من نظيرتها «أبل» أن تسمح لمتاجر التطبيقات الأخرى بالوجود على منصتها الأساسية. ومن قبيل المصادفات، تعتبر شركة إيبيك من المزودين الرئيسيين لمتجر الألعاب الرقمية الخاصة بها على أجهزة الحواسيب التي تعمل بنظام التشغيل «ويندوز»، ومن المرجح للغاية أن يكون لها متجر التطبيقات الخاص بها على منصات هواتف آيفون، وأجهزة آيباد، من إنتاج شركة أبل كذلك. وهذه الحقيقة تجعل من الاحتشاد وراء شعار «فري فورت نايت – أو الحرية للعبة فورت نايت» من الدعاية المشكوك في صحتها بعض الشيء، ولا سيما أن أغلب اللاعبين لا يعرفون الفروقات الدقيقة كافة التي تعتمل وتتنازع فيما بينها من وراء كواليس قرارات تلك الشركات.
ومن المؤكد تماماً، من حق شركة إيبيك أن تسعى وراء تحقيق أهدافها التجارية على المدى الطويل، ولكن لا ينبغي لها أن تسعى وراء ذلك على حساب شركائها في نفس الصناعة. إذ إن إجراءات الشركة المتخذة من جانبها تعني احتمال أن يفقد ملايين اللاعبين إمكانية الوصول إلى لعبة «فورت نايت» على منصات أبل المختلفة، ولا سيما بعد التحديث التالي للعبة نفسها. كما أنها تخاطر بإلحاق الأضرار طويلة الأمد لأعمال محرك الألعاب «أنريل إنجين». لقد قضت المحكمة الجزئية في الوقت الراهن بمنع شركة أبل من إيقاف وصول شركة إيبيك إلى أدوات المطورين ذات الأهمية، غير أن ذلك الحكم مؤقتاً وليس نهائياً حتى الآن. حتى المستشار القانوني لشركة إيبيك قد أقرّ خلال جلسة الاستماع القضائية يوم الاثنين الماضي بأن المطورين كانوا يفرون من المنصات بسبب حالة عدم اليقين التي تمخضت عن المعركة الرقمية الراهنة. وإن المجازفة بسبل عيش الشركاء والمطورين الذين يعتمدون في المقام الأول على منصة محرك الألعاب لدى شركة إيبيك، ليس من التكتيكات الذكية في عالم الأعمال التقنية أو الرقمية.
ولماذا كل ذلك؟ إن شركة أبل محقة تماماً في قولها إن شركة إيبيك كان يمكنها رفع الدعوى القضائية المشار إليها من دون تعمد انتهاك قواعد متجر التطبيقات الخاص بشركة أبل. ولقد صرّحت شركة أبل مراراً وتكراراً في غير مناسبة أنه إذا قررت شركة إيبيك العودة إلى حالة الوضع الراهن قبل قيامها بتثبيت «التحديث العاجل» الذي تحول على نحو مفاجئ إلى فوضى عارمة على منصتها الإلكترونية، فمن شأن شركة أبل أن تعيد التطبيق محل الخلاف إلى متجر التطبيقات الخاص بها مرة أخرى. وهناك حقيقة أخرى مفادها أن رفع شركة إيبيك لدعوى أمام المحاكم مع ذلك الإعلان القديم الساخر الذي تتهكم به على شركة أبل، يشير في وضوح إلى إقدام الشركة على انتهاك الإرشادات المعمول بها لدى شركة أبل، واعتبار ذلك من بين الأساليب التي استعانت بها شركة إيبيك لجذب انتباه الجمهور إلى قضيتها الراهنة.
ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن شركة أبل كانت تلتزم حد الصراحة والوضوح بصورة كاملة. وقالت شركة أبل إن نظيرتها إيبيك قد رغبت في التوصل إلى صفقة من نوع «خاص»، غير أن رسالة البريد الإلكتروني التي صدرت من السيد سويني بتاريخ 30 يونيو (حزيران) من الماضي، والتي جرى الكشف عنها ضمن ملفات جلسة الاستماع أمام المحكمة، تعكس بكل وضوح أنه طالب شركة أبل بإتاحة امتيازات شركته أمام مطوري نظام «آي أو إس» كافة. ومما يُضاف إلى ذلك، أن خطوة تهديدات شركة أبل بوقف وصول المطورين إلى محرك الألعاب «أنريل إنجين» الخاص بشركة إيبيك كانت من الخطوات الانتقامية الواضحة، ولسوف تخضع إلى المراجعة الرقابية في المستقبل القريب.
أخيراً، فإنني أستشعر قدراً من التعاطف إزاء كثير من الانتقادات بشأن ممارسات الأعمال لدى متجر التطبيقات الخاص بشركة أبل. ففي شهر يونيو من العام الحالي، كتبت مقالاً حول كيف ينبغي على شركة أبل، وبشكل استباقي، أن تطرح نفس شروط الصفقة التي جرى التفاوض بشأنها مع شركة أمازون، على المطورين الآخرين كافة، فضلاً عن الامتناع من جانبها عن فرض القيود التي تمنع المنافسة بصورة صارخة، من شاكلة حظر الروابط والتوصيفات الخاصة بصفحات الشراء الإلكترونية في المنصات الخارجية.
تملك شركة إيبيك وجهة نظر معتبرة حيال متجر شركة أبل للتطبيقات وهيكل الرسوم الخاص بها، ولكن في خاتمة المطاف، فإن الأمر برمته لا يستأهل الإجراءات الكثيرة التي اتخذتها في الآونة الأخيرة والمعاناة الهائلة التي تنطوي عليها، ولا سيما أن مجريات الدعوى القضائية المرفوعة أمام المحكمة ربما تستغرق عدة سنوات قبل الفصل النهائي فيها. وينبغي على شركة إيبيك، من أجل مصلحة عملائها، وشركائها، ومطوريها، أن تعيد النظر بكل اعتبار في استراتيجياتها المتخذة في هذه القضية. كما يمكن لها متابعة معركتها الرقمية، أو ربما القانونية، ضد شركة أبل، من دون الأضرار الجانبية كافة التي لحقت بكلا الطرفين، وغيرهما كثير.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»