د. خالد منزلاوي
الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بجامعة الدول العربية
TT

السياسة الخارجية مع اليوم الوطني

تنجح السياسة الخارجية عندما تستند إلى رؤية واضحة وواقعية لدور وقيم المجتمع والدولة، ولطبيعة العلاقات الإقليمية والدولية التي تهدف لترسيخها، وأن تحظى هذه الرؤية بدعم وتأييد شعبي يمكّن الدولة من تحمل تبعات السعي لتنفيذها، وهذا ما يميز السياسة الخارجية السعودية.
تتميز السياسة الخارجية الفعالة للمملكة العربية السعودية باستنادها إلى ركائز مهمة ساعدت على بلورتها ما أسبغ عليها عدداً من السمات، هذه السمات كانت أساساً في نجاحها وتأثيرها، وأسهمت في وصولها إلى مكانتها الدولية، وبينت على أسس الحكمة والاعتدال والحزم.
وهذه الأسس الحكيمة انعكست في سياسة المملكة الخارجية التي تعكس قوة المجتمع والدولة، وعلى حراكها الدبلوماسي النشط منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث تدعم هذه الركائز مكانة المملكة الدولية كعضو بارز وفعال في المجتمع الدولي وذي تأثير على قراراته، وما تتمتع به المملكة من ثقل إقليمي وقاري وإسلامي.
ومنذ تأسيسها أظهرت القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية التزامها الراسخ بتعزيز علاقاتها الدولية مع دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية، إذ تتمتع بعلاقات ثنائية مميزة وشراكات استراتيجية في المجالات كافة، وعلى جميع الأصعدة. كما أنها إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، المنظمة الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين وتعزيز التنمية المستدامة، وأحد أبرز أعضائها الفاعلين، وهي المؤسس لمنظمة التعاون الإسلامي، ثاني أكبر المنظمات الدولية، وتحتضن مقرها الرئيسي، وهي من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، مرسخة بذلك انتماءها الخليجي والعربي والإسلامي والعالمي. أيضاً المملكة عضو بارز ومؤثر في مختلف المجموعات الإقليمية والقارية في الأمم المتحدة، واستضافت العديد من المؤتمرات الدولية والقمم العالمية.
ولما تتمتع به المملكة من ثقة عالمية كبيرة، فهي تقود هذا العام باقتدار، دفة مجموعة العشرين، مسطرة نجاحات وإنجازات للمجموعة الاقتصادية الأكبر عالمياً لم تتحقق منذ سنوات، في ظل ظروف استثنائية لم يرَ العالم مثيلها منذ عقود، واضعة نصب أعينها معالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي خلفتها جائحة «كورونا» على شعوب العالم.
وتبنت القيادة السياسية للمملكة، رؤية ذات محددات وركائز واضحة لإدارة علاقاتها مع الدول ومعالجتها لمختلف القضايا الدولية، قائمة على مبدأ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية، إيماناً منها بأن انفتاح الدول والمجتمعات على بعضها البعض من شأنه تعميق أواصر الصداقة والتقارب وتعزيز السلام والمحبة بين الشعوب.
وتأكيداً لهذه الرؤية، تعمل المملكة على مد روابط التواصل مع مختلف دول العالم، وترجمة ذلك إلى أفعال وسياسات على المستوى الخارجي لخدمة المصالح الوطنية والقضايا الإقليمية والعربية والإسلامية والعالمية، كما عملت المملكة على احتواء العديد من حالات التوتر والخلافات الناشئة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وأثمرت جهود الوساطة التي قادتها المملكة للحيلولة دون تفاقم العديد من الأزمات. ومع تبني المملكة «رؤية 2030» نتج عن ذلك بعد جديد للسياسة الخارجية السعودية يتمحور في التركيز على القضايا الاقتصادية في قائمة الاهتمامات، إضافة إلى التركيز على العلاقات مع الدول ذات التأثير الاقتصادي لبناء شراكات اقتصادية استراتيجية، الأمر الذي سيتيح فرصاً جديدة لتعزيز حضور المملكة الدولي في الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال.
ويتوافق ما سبق كمنهج مع الإيمان الراسخ بالأهداف التي قامت عليها الأمم المتحدة، ومبادئها التي عبر عنها ميثاقها من تعايش سلمي بين الدول وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، واحترام قواعد القانون الدولي، وخلق مناخ ملائم للعلاقات الدولية، يقوم على أساس التسامح ونبذ العنف، واحترام حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.
وتحرص في استراتيجياتها، وبشكل دائم، على توحيد الجهود واتخاذ موقف ثابت وراسخ حول رفض ومكافحة جميع أشكال التطرف العنيف والإرهاب، والحرص على تنمية مستدامة واستقرار اقتصادي وسياسي إقليمي.
وحتماً في السياسة الخارجية العديد من المنافع وتحمل أعباء تتطلب تبنى هذه الاستراتيجيات قصيرة أو بعيدة المدى خلال أدائها الدبلوماسي، لكنها بالمجمل تعتمد على مدى العقلية الديناميكية، التي تصب في مصلحة الدولة، وهو ما جعلها أكثر فاعلية وقوة في ظل السعي لتطبيق «رؤية المملكة 2030»، التي يقود زمامهـا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويتابع تجسيدها في شتى المجالات، وكافة الأبعاد، خصوصاً البعد الدولي، وذلك لما للمملكة من موقع روحي وسياسي واقتصادي مؤثر في هذا العالم المضطرب، ومن هنا تكمن أهمية السياسة الخارجية في علاقة المملكة مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية، وما يتطلبه الأمر من خطط واستراتيجيات لتنفيذ سياسة تأخذ في الاعتبار ركائز وأسساً ثابتة ورؤية طموح، لضمان توافر الظروف السياسية والاقتصادية المناسبة لنجاحها.
* نائب المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة