أنجاني تريفيدي
كاتبة من خدمة «بلومبرغ»
TT

السدود بعد كورونا تهدد الصين

يتعرض أكبر سد في العالم إلى ضغوط كبيرة بسبب الفيضانات الهائلة التي تقضي على مليارات الدولارات من القيمة الاقتصادية في الصين. ويشير المأزق الراهن إلى أزمة كبيرة باتت تلوح في أفق الأحداث بالنسبة إلى الحكومة الصينية. إذ تؤدي التغيرات المناخية العالمية إلى حدوث الفيضانات المدمرة والمتكررة التي تهدد النمو الاقتصادي الصيني، ولا يمكن للدفاعات المدنية من منشآت البنية التحتية التي اتخذت أماكنها لمواجهة الكوارث الطبيعية في العصور السابقة أن تتحمل أعباء مقاومة كوارث العصر الحديث. وليس هناك سوى القليل للغاية من الوقت لاتخاذ الاستعدادات اللازمة انتظاراً لما هو قادم.
ولا تكمن المشكلة في أن الصين تفتقر إلى مشاريع إدارة المياه أو مواجهة أزمات المياه. فلقد قامت الحكومة الصينية بالفعل ببناء مئات الآلاف من السدود، والسدود الحلقية، وخزانات المياه الكبيرة على أنظمة الأنهار السبعة الرئيسية في البلاد. غير أن كثيراً من تلك المنشآت غير مؤهل للتعامل مع شهور متصلة من الفيضانات الناجمة عن الهطول المستمر للأمطار التي دمرت بالفعل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والصناعية في البلاد إلى جانب اجتياح الملايين من منازل السكان. وخلال الأسبوع الماضي وحده، خشي المسؤولون الصينيون من أن سد «الخوانق الثلاثة» المشيد على نهر يانغستي الكبير قد بلغ ذروته ويمكن أن يفيض هو الآخر. وفي أماكن أخرى من البلاد، قامت السلطات الصينية بنسف الحواجز التي كانت تلحق المزيد من الأضرار بأكثر مما توفر من مساعدات.
وكانت الصين قد شهدت ثلاثة من أكثر 10 فيضانات شراسة ودماراً في العالم منذ عام 1950. ويعتبر العدد المحدود للوفيات المسجلة هذه المرة دلالة على المدى الذي وصلت إليه البلاد في التعامل مع الكوارث الطبيعية، ومع ذلك، فإن موقف الفيضانات في المدن الصينية يتحرك من السيئ إلى الأسوأ، وفي إشارة إلى ارتفاع تعداد السكان وإخفاق الحكومة في الاضطلاع بسياسات التحضر المدنية. ويعد المتوسط الصيني للخسائر السنوية الناجمة عن غمر مياه الأنهار هو الأكبر على مستوى العالم، والسبب في ذلك أن سياسة مواجهة الفيضانات لم تكن لها الأولوية في مواجهة المخاطر الطبيعية الكبيرة كما ينبغي.
ومن المتوقع في الفترة المقبلة وقوع مزيد من الكوارث الطبيعية الخطيرة. وصرح الدكتور بيتر غليك، وهو عالم المناخ المائي وعضو الجمعية الوطنية الأميركية للعلوم، إلى صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» الصينية، بأن التغيرات المناخية العالمية تزيد من مخاطر هطول الأمطار الشديدة، الأمر الذي يجعل من المرجح أن السدود الكبيرة - مثل سد «الخوانق الثلاثة» على نهر يانغستي لن يكون قادراً على منع حدوث أسوأ الفيضانات التي يمكن أن تقع في المستقبل.
ولقد ارتفع عدد الأيام ذات الأمطار الغزيرة بالفعل وزادت شدتها داخل المدن والمناطق الحضرية عند المقارنة بالضواحي وأطراف المدن على طول نهر يانغستي الصيني، كما خلصت دراسة تستعين بسجلات هطول الأمطار على فترتين مختلفتين بين عام 1950 وعام 2010. وفي الأيام الراهنة، تزداد هذه النسبة بواقع 30 في المائة في المتوسط لدى أماكن مثل سوتشو القريبة من شنغهاي، وهي المعروفة بصناعة فساتين الزفاف جنباً إلى جنب مع مصانع التكنولوجيا الكبيرة.
ولا تُحجم الحكومة الصينية عن إنفاق الأموال لمواجهة الكوارث. ففي العام الماضي، أنفقت بكين 726 مليار يوان (ما يساوي 105 مليارات دولار) على تشييد مشروعات الحفاظ على المياه - وهي أعلى نسبة إنفاقات في تاريخ البلاد. كما تلقت إدارة الفيضانات الصينية مبلغاً وقدره 1.2 مليار يوان من أموال الحكومة المركزية في بكين منذ بداية موسم الأمطار. ولكن هناك منافسة واضحة بين تلك الأزمة وأزمة وباء كورونا الراهنة في البلاد. حيث يجري إنفاق التريليونات من الأموال الحكومية الموجهة لدعم مشروع التعافي الوطني من فيروس كورونا المستجد، وأضف إلى ذلك بناء القدرات التقنية الهائلة لشبكة اتصالات (5 جي) الحديثة من أجل ضمان قدرات التصنيع التحويلي في المستقبل. وتلك الإنفاقات لها بكل تأكيد ما يبررها.
تميل كوارث الماضي إلى تأطير أسلوب التفكير في المستقبل. وبرغم ذلك، فإن التهديدات الطبيعية أو سواها من التهديدات الأخرى ليست ذات طبيعة ثابتة، لا سيما مع التغيرات المناخية التي تؤدي إلى تسريع شدة وخطورة الفيضانات عاماً بعد آخر. وينبغي لتقييمات المخاطر أن تضع في الاعتبار المكان الذي تُصنع فيه ثروات الصين.
ومن أبرز الأمثلة على كيفية تجاوز جهود التلطيف من آثار الفيضانات هو إطلاق استراتيجية مناطق التحويل التي جرى اعتمادها قبل عقدين من الزمن في الصين، والتي تدور حول تنحية المناطق التي أفرغت السلطات المياه فيها من أجل السيطرة على التدفق المفرط لمياه الفيضانات. ومنذ ذلك الحين، تم إبعاد المواطنين النازحين وإعادة توطينهم بعيداً عن المناطق التي كان من المفترض أن يعيشوا فيها، حيث يتعين إفراغ كميات هائلة من المياه هناك. وفي نهاية المطاف، انتهى الأمر بهؤلاء السكان إلى العيش في مناطق غير مؤهلة للحياة فيها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»