حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

بعد شطارة اليهود... المطلوب شطارة المسلمين

بتحدٍ سافر وأسلوب مستفز غير عقلاني، ولا يكترث بالعواقب الوخيمة، قررت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية إعادة نشر الصورة المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، التي سبق أن نشرتها عام 2015، في عددها الجديد الذي سيصدر الأربعاء. وواضح أن الصحيفة الفرنسية أعادت نشر هذه الرسومات المستفزة مع انطلاق محاكمة 14 متهماً في حادثة الهجوم المسلح على مقر الصحيفة، الذي خلف 12 قتيلاً في صفوف الصحافيين العاملين فيها، وأثار موجة ساخنة من الاستنكار والاحتجاجات داخل فرنسا وفي أوروبا والعالم الإسلامي والعربي.
وكتب مدير الصحيفة الساخرة في العدد الجديد يقول «لن ننبطح أبداً، ولن نتراجع أبداً»، موضحاً أن هذه الرسوم ستعود إلى الصفحة الأولى من الصحيفة بمناسبة المحاكمة، وهو أمر وصفه بـ«الضروري». ومع التسليم بحقيقة وبشاعة جريمة مذابح النازية ضد اليهود (الهولوكوست)، وتجريمها، وتجريم كل الجرائم المماثلة التي ارتكبها الاستعمار ودول الاحتلال والأحزاب والميليشيات في طول العالم وعرضه، إلا أنني أقدم تساؤلاً عقلانياً موضوعياً لمدير تحرير صحيفة «شارلي إيبدو»؛ هل بمقدوره أن يسمح لرسام صحيفته أن يرسم كاريكاتيراً يسخر من الهولوكوست، أو يشكك فيه بدعوى حرية الصحافة؟ إن كان الجواب لا، ولا جواب غيره، فمن حق المعترضين على هذه الرسومات المسيئة لنبي الإسلام وكل الأنبياء أن يطالبوا بالمعاملة بالمثل، وأن الاعتراض على الإساءة للأنبياء لا يتعارض مطلقاً مع الحريات.
ومن نافلة القول تجريم أعمال العنف التي صاحبت ردود الفعل الغاضبة على الرسومات المسيئة، مثل الهجوم على مقر الصحيفة الفرنسية وقتل 12 صحافياً، وأي ردود فعل عنيفة أخرى خارج النظام والقانون، كما لا يجوز تبريرها، لا شرعاً ولا عقلاً، إلا أن حوادث العنف هذه تعطي دروساً بالغة الأهمية لمن يحتقر مقدسات البشر بدعوى الحريات، وأنه بتأييده لها ومنافحته عنها يلعب بالنار، بل إنه بهذه التصرفات الاستفزازية يعرض السلم العالمي للخطر حتى ولو سمحت له الحريات والقوانين في بلده، فليس كل أمر تسمح به الحريات بالضرورة أن يمارس، ولهذا قال أحد الصحافيين الغربيين في معرض انتقاده لصحيفة دنماركية أساءت للنبي محمد، إن الحريات تجيز لأي شخص أن يصرخ بأعلى صوته: «النار»، لكن سيتعرض للمساءلة والعقاب إذا صرخ بها في مسرح مكتظ بالبشر، لأنه سيعرضهم للتدافع والموت طلباً للنجاة، ولهذا فهم البريطانيون الأذكياء رسالة الغضب الإسلامية، فلم تنشر صحفهم هذه الرسومات المسيئة في حينها وانتقدتها، مع أن بريطانيا تعتبر نفسها حامية الحرية وعرين الديمقراطية.
أما دفاع أحد الزعماء الغربيين، وعدد من إعلامييهم، عن السخرية من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بدعوى حرية الرأي، فهي فقاعة كبيرة من السهولة أن توخز بدبوس «المحرقة النازية لليهود»، التي لا تسمح كل حريات أوروبا لأحد أن يشكك في أرقامها، ناهيك عن أن يسخر منها، أو ينفيها، وهذا نتاج «شطارة» اليهود وعملهم الدؤوب في المنافحة عن قضاياهم، وعلى قيادات الأقليات المسلمة أن تصنع «شطارة» مماثلة لسن قانون دولي يجرم سب الرموز الدينية كالأنبياء والكتب المقدسة.