د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الطبقة المتوسطة

يكثر الحديث بين السياسيين والاقتصاديين عن الطبقة المتوسطة، وعن أهمية زيادة حجم هذه الطبقة لدوافع اقتصادية واجتماعية. فما هي الطبقة المتوسطة؟ ولماذا الحرص المستمر على زيادة حجمها في الدول؟
ليس للطبقة المتوسطة تعريف واحد، فمن هذه التعريفات ما يرى أن الطبقة المتوسطة هم من يبلغ دخلهم ما بين 11 و110 دولارات في اليوم. وقد يكون هذا التعريف صحيحاً لبعض الدول وغير ذلك لبقيتها، فمن المستحيل أن يُعد من دخله 15 دولاراً من الطبقة المتوسطة في دول مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وقد يرى بعضهم أن الطبقة المتوسطة هم من يستطيعون تحمل الصدمات الاقتصادية دون التعرض للإفلاس أو المعونات الحكومية. ولذلك، فإن تعريف الطبقة المتوسطة متفاوت بين الدول، بحسب وضعها الاقتصادي والرفاه المعيشي.
وقد زاد حجم الطبقة المتوسطة في العقد الأخير بشكل واضح. ففي عام 2009، وصل عدد الطبقة المتوسطة إلى 1.8 مليار نسمة، تركز أغلبهم في أوروبا بأكثر من 650 مليون نسمة، وآسيا بأكثر من 500 مليون نسمة، وأميركا الشمالية 340 مليون نسمة. أما في عام 2018، فقد وصل عدد هذه الطبقة إلى أكثر من 3.6 مليار نسمة، أي أن الرقم تضاعف في 10 سنوات. ويتوقع أن يصل إلى 5.3 مليار بحلول عام 2030. هذا النمو ارتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو الاقتصاد العالمي، لا سيما في الدول الآسيوية، حيث يأتي أكثر من 90 في المائة من المنضمين الجدد لهذه الطبقة من هذه الدول. وأوضحت إحصائية حديثة أن 5 أشخاص في الثانية الواحدة ينضمون إلى الطبقة المتوسطة.
وللطبقة الوسطى أهمية اقتصادية كبيرة، فغالبية الطلب يأتي من الاستهلاك المنزلي الذي تشكل الطبقة المتوسطة أكثر من نصفه، ذلك أن المنتجات التي تستهلكها الطبقة المتوسطة هي تلك التي تشكل جزءاً كبيراً من الإنتاج، فالفقراء لا يستهلكون الكثير، أما الأغنياء فالمنتجات التي يستهلكونها لا تنتج بكميات كبيرة، ولا تشكل وزناً عالياً للسواد الأعظم من الشركات. وتعتمد منتجات عدة، مثل الأغذية والإلكترونيات والسيارات والمواصلات العامة وأدوات البناء، على الطلب من الطبقة المتوسطة، بل إن كثيراً من الدراسات تقارن نمو الطبقة المتوسطة بعدد السيارات. فعلى سبيل المثال، يذكر أن ملكية السيارات في غانا ارتفعت بنسبة 80 في المائة منذ عام 2006. ومنذ ذلك العام حتى الآن، ارتفع الناتج القومي للفرد في غينيا لأكثر من الضعف.
وترتكز المنتجات المصرفية للأفراد على الطلب من الطبقة المتوسطة بشكل كبير، فلا حاجة للأغنياء للقروض الشخصية والعقارية، ولا قدرة للفقراء على الحصول على هذه القروض. ولذلك، فإن زيادة الطبقة المتوسطة تساهم في زيادة نشاط القطاع المصرفي بشكل كبير، وتصمم هذه المنتجات لكل دولة بناء على حالة وطلب الطبقة المتوسطة فيها.
لذلك، فإن ارتفاع حجم الطبقة المتوسطة يحفز النمو الاقتصادي، فالدراسات تشير إلى أن زيادة حجم هذه الطبقة ساعد كوريا الجنوبية في النمو، بينما لم تتمكن البرازيل من النمو بشكل يجاري كوريا بسبب انخفاض حجم هذه الطبقة. وللطبقة المتوسطة قِيم تساعد في نمو الاقتصاد، منها حرص هذه الطبقة على التعليم، كون التعليم عنصراً أساسياً في كسب العيش لديها، ولذلك يلاحظ أن التعليم والطبقة المتوسطة مرتبطان بشكل إيجابي فيما بينهما. كما أن هذه القِيم تحث الطبقة المتوسطة على الادخار، وهو ما تسعى كثير من الحكومات إليه، لما فيه من آثار اجتماعية واقتصادية إيجابية. كما تشير الدراسات إلى أن معظم المبتكرين ورواد الأعمال يأتون من الطبقة المتوسطة، وذلك بسبب امتلاكهم التعليم الكافي، والمحفز الاقتصادي للابتكار وإنشاء الشركات. كما أن وجود هذه الطبقة يساعد في رفع مستوى الحوكمة لدى الدول، فعادة ما تطالب هذه الطبقة برفع مستوى الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والمواصلات، وهو ما يحفز الحكومات للارتقاء بهذه الخدمات، وبالتالي رفع مستوى الرفاه المعيشي فيها.
إن تأثير الطبقة المتوسطة الإيجابي يتزايد مع تزايد حجمها، وهي طبقة تحرك الاقتصاد المحلي بشكل فعال، من خلال الطلب والاستهلاك المستمرين. والحرص على زيادتها أمر جوهري لتحفيز نمو الاقتصاد المحلي. وترتبط بها مواضيع عدة، مثل العدالة في توزيع الثروات، ومراقبة الفجوة بين الأثرياء والفقراء، والمساواة في الفرص بين طبقات المجتمع المختلفة، ومتابعة مستويات الادخار على المستوى الوطني؛ كل هذه العوامل تؤثر بشكل فعال على حجم الطبقة المتوسطة التي تعد اليوم المحرك الرئيس للاقتصادات المحلية.