مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الشرارة التي أشعلت الحرب

لا شك أن لكل حرب يداً خفية للقوة يتم توجيهها في اتجاهات معاكسة، فقد بدأت الحرب العالمية الأولى بعد أن قُتل ولي عهد النمسا وريث عرش الإمبراطورية النمساوية الهنغارية وزوجته صوفي خلال زيارتهما للعاصمة البوسنية سراييفو، على يد شاب من صرب البوسنة يبلغ من العمر 19 سنة ويدعى غافريلو برانسيب، وأسفر عن مقتل الزوجين اندلاع الحرب العالمية الأولى التي استمرت لأكثر من أربع سنوات متسببة في سقوط ملايين القتلى والجرحى.
لم توقع العالم أن هذا الحادث سيكون شرارة الحرب العالمية الأولى، بإعلان الحرب على مملكة صربيا وحلفائها، إلا أنه سرعان ما جرى تنفيذ الخطط الحربية بعد أسابيع من مقتل ولي عهد النمسا، ثم تصاعدت الأحداث وجرى توسيع نطاقها باتجاه غير قابل للنقاش وبلغت ذروتها بإعلان الإمبراطورية النمساوية الهنغارية دعم ألمانيا لهذا الصراع الذي بدأ صغيراً بين البلدين وانتشر بسرعة إلى حرب عالمية، أسفرت مع نهايتها في عام 1918 عن مقتل ملايين الأوروبيين، وانهيار ثلاث إمبراطوريات في القارة.
إن ما يذكرنا بهذه الواقعة الكبيرة ما يحدث اليوم، ولا مجال للمقارنة لضخامتها الكارثية في سجلات التاريخ مع ما يحدث اليوم في دول المنطقة الشرق أوسطية، لكن تشابه البدايات قد تكون قريبة مع حالة لبنان التي بدأت بمقتل أفراد عدة تظاهروا منددين بفساد الحكومة وتدخلات «حزب الله» التي تخطط لإشعال فتيل حرب أهلية، فهكذا تبدأ الحروب بقصص صغيرة ثم تكبر وتتحول من إطلاق نار عشوائي إلى عمل جبان يقتل الأبرياء كما يفعل هذا الحزب متجاهلاً سلطة الدولة مع سبق الإصرار والترصد، ويلحق دماراً لطالما كان مخططاً له منذ عام مضى يستهدف البلاد ويسعى لخلط الأوراق وكبح جماح المتظاهرين.
فالحزب يجيّش الحشود الموالية لإيران، ويأمر أتباعه بإشعال فتيل حرب أهلية، وفي طليعة المستفيدين من هذه الحرب إيران ومن ثم تركيا التي بدأت تضع لنفسها موطئ قدم في طرابلس اللبنانية، ويقابلهما بذلك مجتمع دولي تقود فرنسا جهوده لمنع انزلاق لبنان للهاوية؛ فقد وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللبنانيين بعد الانفجار المدمر في مرفأ بيروت بتقديم المساعدة لهم. فهل تكون فرنسا القوة الاستعمارية السابقة لها القدرة على توفير الاستقرار لشعب لبنان وتحريره من محنته وأزمته مع حكومته العاجزة؟
حتى لا تصبح الحالة اللبنانية أشبه بما وقع في أحد شوارع البلقان ثم تحول إلى أزمة قارية بين القوى الأوروبية العظمى: الإمبراطورية النمساوية الهنغارية وألمانيا من جهة، وفرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى من جهة أخرى، فبعد الانهيار المخزي بانفجار مرفأ بيروت تغيرت الأحداث وظل اللاعبون كما هم لم يتغيروا.
وتحرياً للواقعية، دعونا ننظر مجدداً إلى هدف هذه القوى الثلاث على أرض لبنان، فماذا تريد منه، ولنطرح الأسئلة الأكثر أهمية: هل تتشابه أسباب الحرب، وبكيف تبدأ وكيف تنتهي؟ علماً بأن هذه هي الحال ذاتها في كل مكان يكتظ بالطوائف والأحزاب والتناحر، فعندما يتعلق الأمر بالأسباب كالتي قامت عليها الحرب العالمية الثانية بعد معاهدة فرساي ضد ألمانيا ومعاقبتها بقيادة أدولف هتلر، وقدرت آنذاك تكلفة هاتين الحربين العالميتين بخسائر بشرية ومادية ضخمة.
في هذه الأثناء، يجري مزيد من التشابه لكل ما سبق من الانتهاكات الواردة في سجل الأعداء في دول منطقة الشرق الأوسط وهي الأكثر خطورة، وتأتي في معيتهم اليد الخفية للقوة التي ذكرناها أي عناصر «حزب الله» العابثة بأمن تلك الدول والعاملة على استنزاف مواردها لقوى دولية أخرى.
هي الخطر الأكبر على لبنان والشرارة التي ستشعل الحرب، عطفاً على ما يخطط له «حزب الله» بمزيد من الصراعات، بداية من حرق خيام المعتصمين وسط بيروت قبل شهور وصولاً إلى إرسال عناصرهم من المرتزقة لتهاجم المعتصمين، حيث مئات المحتجين المحتشدين في ساحة الشهداء للمشاركة في مظاهرة تنتقد تعامل الحكومة مع أكبر انفجار تشهده بيروت في تاريخها، والذي دمر جزءاً من العاصمة.
إن نظرة عابرة على ما يحدث في لبنان يظهر جبروت «حزب الله» وضعف الدولة، في الوقت الذي يطالب فيه المحتجون باستقالة الرئاسات. وبإظهار كيفية تعبير الشارع اللبناني نجد أن الأغلبية يعتبرون أن الجميع مسؤول عن تدمير العاصمة اللبنانية وتشريد مئات الآلاف. فهل هي شرارة حرب أهلية أم اشتباكات عابرة متوقعة بسبب الوضع السيئ بلبنان سياسياً واقتصادياً، وتدويل التحقيق في انفجار بيروت الذي قد يشعل نار حرب أهلية جديدة؟
بما أن مرحلة شائكة قادمة يمكن أن تكون حادثة الاشتباك بين عناصر من «حزب الله» وعشائر تسكن منطقة خلدة ببيروت التي أسفرت عن سقوط قتلى لا يبدو أنها حدث عارض، بل محاولة لها أهداف بعيدة؛ فـ«حزب الله» يبدو أنه يريد تهجير سكان تلك المناطق ليغير ديموغرافية بيروت، وأيضاً له هدف آخر هو التأسيس لإشعال حرب أهلية أو التلويح بها للتغطية على ما كشفته المحكمة الدولية من علاقة بمقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري التي صنفتها المحكمة كجريمة سياسية وحددت المنفذ لها من كوادر «حزب الله» وأكدت أنه هو وسوريا المستفيدان من مقتله.
في النهاية، يمكن الاستنتاج أن ذلك التحرك باتجاه إشعال صراع يفضي لحرب أهلية لا يخرج عن سياقين؛ أولهما خلط الأوراق لإبعاد شبح محاسبة الحزب عن جريمته الكبرى والتي ألحقها بكارثة انفجار المرفأ، فكل الترجيحات تؤكد أن المواد التي انفجرت هي ملك للحزب، وثانيهما وهو بُعد أكثر خطورة نفذوه في سوريا وذلك بتهجير السكان من السُنة ليكملوا المخطط ذاته بلبنان.