د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

البنية التحتية والقطاع الخاص

في عالمنا المتطور اليوم، يفتقد أكثر من 800 مليون نسمة إلى الكهرباء، ويعيش أكثر من ملياري إنسان دون ضمان للحصول على مياه صالحة للشرب، وتنقطع آلاف القرى حول العالم عما حولها من المدن بسبب عدم وجود طرق مهيأة للسفر والمواصلات. هذه الأرقام وغيرها الكثير، توضح الحاجة إلى التفاتة جادة إلى وضع البنى التحتية حول العالم، ورغم أن موضوع البنى التحتية يناقش باستمرار بين قادة العالم سواء على مستوى مجموعات الدول السبع أو العشرين، إلا أن الأرقام توضح أن نمو مشاريع البنى التحتية لم يتحسن. بل على العكس، فالأرقام تشير إلى أن العجز في ميزانيات البنى التحتية قد يزيد على 15 تريليون دولار بحلول عام 2040. أكثر من نصف هذا العجز يصب في مشاريع الطرق، ويتوزع باقي العجز بين مشاريع مياه الشرب والطاقة والاتصالات وسكك الحديد. وبالنظر إلى هذا العجز وعدم قدرة الحكومات العالمية على مجاراة الطلب للبنية التحتية، يبرزان فكرة الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص للاستثمار في البنية التحتية.
حيث يشكل القطاع الخاص حلا مناسبا لعدم قدرة الحكومات لتنفيذ مشاريع البنى التحتية من عدة جوانب، منها قدرة الخاص على إدارة المشاريع بشكل فعال يقلل من حجم الهدر الذي عادة ما يرتبط بتنفيذ الحكومات لهذه المشاريع. كذلك القطاع الخاص أكثر قدرة على إدارة العمليات اليومية من الحكومات. كما أن هذا الشركات الخاصة أكثر قدرة على تنفيذ المشاريع بتقنيات أعلى من الجهات الحكومية بحكم اطلاعها المستمر على السوق.
إلا أن هذا النوع من المشاريع يتطلب جهدا مختلفا من الحكومات، فتحديد موارد المشروع ومخاطره والمسؤوليات المرتبطة فيه وكذلك الحوافز المترتبة عليه هو الدور الرئيسي للحكومات. ولعل أحد أكبر أسباب إحجام القطاع الخاص عن مشاريع البنى التحتية هو تحمله الكامل للمخاطر، فكثير من الحكومات تلقي بكامل المسؤولية على القطاع الخاص محملة إياه مخاطر قد تضعف الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع. كما أن عدم ضمان الحكومة لهذه المشاريع يزيد من تكلفتها على القطاع الخاص، والمعلوم أن تكلفة تمويل مشاريع البنية التحتية عادة ما تكون مرتفعة بسبب طول أمد تنفيذ هذه المشاريع، وطول أجل مردودها الاقتصادي، إلا أن تنفيذ الحكومات لهذه المشاريع عادة ما يخفض من تكلفة هذا التمويل بسبب انخفاض معدل الخطر للقروض الحكومية. أما في حال أصبحت شركات القطاع الخاص هي المنفذة، فإن نسبة الخطر ترتفع بشكل حاد رافعة معها تكلفة التمويل. وعلى ذلك فإن الضمان الحكومي لهذه المشاريع في غاية الأهمية لزيادة الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع.
ولذلك فإن أكثر تجهيز مشاريع البنى التحتية لتكون جاهزة للاستثمار من قبل القطاع الخاص، هو أحد أكبر العوائق الحالية لمشاريع البنى التحتية. فالقطاع الخاص – وإن رغب في الاستثمار في مشاريع طويلة المدى – إلا أنه يريد التأكد من حسن تخطيط هذه المشاريع والتأكد من توزيع المسؤوليات والحوافز والمخاطر بشكل عادل قبل البدء فيها. والواضح أن الكثير من شركات القطاع الخاص لا تنظر إلى البنى التحتية كمشاريع مربحة، فنسبة استثمار هذا القطاع تتراوح بين 2 في المائة و3 في المائة في الوقت الحالي وهي أقل من 0.1 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي.
إن استثمار الشركات في البنية التحتية قد يكون الحل الأمثل للطلب العالمي المتزايد في البنى التحتية، ولا يبدو أن الحكومات قادرة على تلبية هذا الطلب دون الاستعانة بالقطاع الخاص. وليس الأمر متعلقا بنقص الميزانيات الحكومية لتنفيذ هذه المشاريع فحسب، بل إن هذه المشاريع تشكل فرصا حقيقية للقطاع الخاص للاستثمار فيها، والنماذج الناجحة لهذه الاستثمارات كثيرة، فالكثير من الشركات نفذت مشاريع مربحة مشابهة، ومن هذه النماذج تشغيل الطرق بعد تنفيذها لمدد طويلة، أو استثمار الأراضي التي تمر بها هذه الطرق. كما تشكل هذه المشاريع إضافة إلى القطاع الخاص بجعله شريكا استراتيجيا للحكومة، معطية إياه الفرصة للعمل في مساحة استثمارية جديدة، بعيدة عن الاستثمارات التقليدية ذات التنافسية الشديدة.