علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الرواد اللبنانيون

اللبنانيون شعب ذو همة عالية، فهم 12 مليون لبناني، نصفهم في لبنان، والنصف الآخر مهاجرون في أرجاء الكرة الأرضية. الشعب اللبناني يتغلب على الأزمات بطريقته الخاصة، فمنذ اغتيال كمال جنبلاط، وحتى اغتيال رفيق الحريري، ولبنان يضع وراءه كل مشكلة، ورغم معرفة اللبنانيين بقتلة الزعيمين، فإنهم لم يستطيعوا معاقبة القتلة، هذه نماذج فقط للاغتيالات السياسية.
ورغم الحرية المزعومة في لبنان، فإن الزعماء لا يتحملون الكلمة الحرة، أو النقد، أو حتى الكلمة المأجورة، فسلسلة اغتيالات الإعلاميين اللبنانيين متصلة مروراً باغتيال سليم اللوزي رئيس تحرير «مجلة الحوادث»، وحتى اغتيال زميلنا الإعلامي سمير قصير. ورغم معرفة الجناة، فلا أحد يستطيع أن يعاقبهم، ورغم ظروف اللبنانيين السيئة، فهم شعب رائد يظهر في الأزمات الإنسانية تاركاً الأزمات السياسية وراء ظهره، فها هم اللبنانيون يتنادون بعد حادثة المرفأ لتقديم العون لأخوتهم اللبنانيين، وها هم ينظفون بيروت مما أصابها، ويتعاونون فيما بينهم لخلق بيئة يمكن التعايش معها بعيداً عن مطامح السياسيين وتمسكهم بكراسي الزعامة.
اللبنانيون، سواء كانوا داخل لبنان، أو خارجه، فهم رواد في الأعمال، سبقوا العرب، فهم إما موظفون بارزون أو رجال أعمال ناجحون تجدهم منتشرين في العالم العربي وفي خارج العالم العربي، متسنمين التجارة والوظائف العالية، ومتسلحين بالعلم. هذا النموذج اللبناني موجود لدى معظم العرب، فالشعوب العربية فقط تريد قيادات مخلصة تقودها. أما جموع الشعب فهم مستعدون للتضحية بأرواحهم، إذا اقتنعوا أن قائدهم مخلص. اللبنانيون كسروا هذه القاعدة، فهم ينادون باستقالة جميع القيادات التقليدية، بل وينادون باستقالة الحكومة التي يتمسك أفرادها بكراسيهم، بل ويتشبثون بها عاضين عليها بالنواجذ، وهذا ما بينته تصريحاتهم الرافضة للاستقالة، والرافضة للذهاب لانتخابات مبكرة، ولهول المأساة، فإن اللبنانيين خلفوا كل هذه التركة وراء ظهورهم، وشدوا الأحزمة لمعاونة جيرانهم وأصدقائهم في بيروت المحطمة، ومع شطارة اللبنانيين في التجارة والبزنس، بشكل عام، فإنهم في هذا الموقف تخلوا عن ذكائهم التجاري، وتعاملوا بإنسانيتهم. فالكثيرون ممن يتوفر لديهم سكن في لبنان، وهو في الأصل معد للإيجار، نجدهم يعرضون شققهم وغرفهم، وحتى بعض أوتيلاتهم على اللبنانيين المتضررين الذين فقدوا منازلهم، ليسكنوا بالمجان. فاللبنانيون، وإن كانوا رواداً في الأعمال، فقد أثبتوا أنهم رواد في مجال الإنسانية.
في المقلب الآخر، كما يقول الأخوة اللبنانيون، فإن الأزمات أياً كان نوعها تبرز الجانب الإنساني، ففي الأسبوعين الماضيين تعرضت زوجتي لوعكة صحية اضطررنا معها لمراجعة مستشفى الملك خالد الجامعي، وبسبب «كورونا»، فقد كان الطاقم الطبي متعاوناً أقصى غاية التعاون، وعلى رأس الفريق الطبيبة نهى الصالح، والطبيبة مها العامودي، فقد قامتا حتى بإعطائنا أرقام هواتفهما الخاصة، كما أن بقية زملائهما كانوا متعاونين للغاية.
هؤلاء هم العرب يظهرون في الأزمات، سواء كانت أزمة كارثية، كما في بيروت، أو جائحة عمت العالم، بما فيه الرياض. مثل هذا التعاون ينم عن حالة وعي لدى الفرد العربي بأفضل سلوك يسلكه، سواء عند الكارثة أو الجائحة. ودمتم.