هال براندز
كاتب رأي من خدمة «بلومبيرغ» وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جونز هوبكنز» الأميركية
TT

الحرب بين الصين وأميركا لن تحدث بالصدفة

تتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين يوماً تلو آخر، والخبر السيئ هو أن القتال قد لا يتوقف قبل العقد المقبل، والخبر السار هو أن مثل هذه الحرب لن تبدأ بالصدفة.
ثمة جدل معتبر مفاده أن الدول يمكن أن تتعثر في صراع كبير لا ترغب فيه في الحقيقة جرى إحياؤه مع تصاعد التوترات بين القوتين العظميين. ومع ذلك، يُظهر التاريخ أن الحروب الكبرى لا تحدث عن غير قصد.
كان رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق كيفن رود هو من طرح فكرة الحرب. وفي إشارة إلى نقاط الاشتعال العديدة التي تتعارض فيها المصالح الأميركية والصينية، أفاد بأن هناك خطراً متزايداً من «حدوث الصراع». قد يؤدي الاصطدام العرضي بين السفن أو الطائرات في بحر الصين الجنوبي، أو حدوث عدة سيناريوهات أخرى معقولة، إلى أزمة وتصعيد وحرب. فمثلما سارعت القوى العظمى في أوائل القرن العشرين إلى الانخراط في الحرب العالمية الأولى، يمكن للصين وأميركا أن تضلا الطريق اليوم لتصلا إلى كارثة.
غالباً ما تُعتبر الحرب العالمية الأولى المثال الكلاسيكي لحرب غير مرغوب فيها: فصراع مدمر لم يكن ليختاره أي من المشاركين لو علموا بما سيحدث. فخلال الحرب الباردة، كان صانعو السياسة الأميركيون قلقين من أن الأزمات بشأن برلين أو كوبا يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة. وهناك مجموعة من مؤلفات العلوم السياسية مكرسة لفهم كيفية حدوث حرب عرضية.
ومع ذلك، هناك مشكلة واحدة كبيرة هي أنه من الصعب تحديد أي حروب كبرى نشأت على الرغم من أن أحداً لا يريدها. فقد تبين أن المشكلة في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) من عام 1914 لم تكن أن جداول التعبئة غير المرنة والخطط العسكرية قد دفعت بالقادة السياسيين إلى حافة الصراع. كان ذلك أن العديد من القوى، وعلى الأخص ليس فقط النمسا والمجر وإمبراطورية ألمانيا، أصرت على اتباع سياسات عدوانية كانوا يدركون أنها تخاطر بنشوب حرب محلية في أحسن الأحوال وحرب قارية في أسوأ الأحوال. علاوة على ذلك، اعتقد جميعهم تقريباً أنه إذا كان لا بد من نشوب حرب، فمن الأفضل أن تأتي عاجلاً وليس آجلاً.
بعد جيل من ذلك الحال، ربما لم يكن فرانكلين روزفلت قد توقع أن فرض حظر نفطي على اليابان سيؤدي إلى هجوم جوي على «بيرل هاربور». لكنه أدرك بالتأكيد أن الحرب كانت احتمالاً واضحاً بمجرد أن بدأت الولايات المتحدة في خنق اقتصاد بلد كان ينهب آسيا بالفعل.
وبالمثل، فإن حرب الأيام الستة عام 1967 يجري التعامل معها أحياناً على أنها صراع غير مقصود. لكن مرة أخرى، لم يتجاهل القادة المصريون خطر الحرب عندما حشدوا القوات في شبه جزيرة سيناء، وحاصروا ميناء إسرائيل على البحر الأحمر واتخذوا خطوات عدائية أخرى.
الحقيقة، بحسب المؤرخ مارك تراختنبرغ، هي أن الدول تميل إلى تجنب الحرب عندما لا ترغب فيها حقاً. نعم يخطئ القادة أحياناً في تقدير الكيفية التي ستنتهي بها الحروب ومدى تدميرها، لكن يمكن أن تتصاعد التوترات تدريجياً بطريقة تزيد من صعوبة خفض التصعيد تدريجياً.
ومع ذلك، ما من قرار أكبر من بدء صراع كبير، لذلك عندما تريد البلدان حقاً تجنب المواجهة، فإنها تكون على استعداد عموماً للتراجع، حتى إن شاب ذلك قدر من الحرج.
خلال الحرب الباردة، كان هناك كثير من سياسة حافة الهاوية بين القوتين العظميين، وبعض الحوادث المثيرة التي تورطت فيها القوات العسكرية الأميركية والسوفياتية. كان هناك العديد من حالات الفشل الوشيكة في أزمة الصواريخ الكوبية وحدها. لكن في هذه الحالة وفي كل الحالات الأخرى، تم نزع فتيل الأزمة وتراجعت القوتان العظميان، على وجه التحديد لأنهما لم تصدقا أن المخاطر تستحق حمام دم نووياً.
يبدو أن الحرب العرضية غير مرجحة اليوم، هناك كثير من الظروف التي يمكن أن تجد فيها الولايات المتحدة والصين نفسيهما في أزمة، مثلما جرى في «حادثة جزيرة هينان» عام 2001 عندما أدى تصادم في الجو إلى حدوث مواجهة دبلوماسية إثر مشاحنات بين القوات الجوية الصينية واليابانية في بحر الصين الشرقي الذي تحول بشكل غير متوقع إلى اشتباك مميت. لكن صانعي السياسة في الولايات المتحدة والصين يعرفون أن الحرب يمكن أن تصبح قضية خطيرة للغاية. فإذا سعى الطرفان حقاً إلى تجنب أحدهما، فمن المحتمل أن يجدا طريقة لتنفيذ ذلك.
هذا ليس الأمر نفسه كالقول إن حرباً صينية - أميركية لن تحدث، إذ يميل الصراع إلى النشوب عندما يقرر أحد الأطراف أن الحرب، أو الإجراءات التي تنطوي على مخاطر الحرب، هي الأفضل للعيش في ظل الوضع الراهن، أو التراجع عن إحداث أزمة. فكل تلك الاحتمالات يمكن أن تحدث بسهولة بالغة.
إذا استنتجت الصين أن تايوان تنأى بنفسها بعيداً عن البر الرئيسي سياسياً، حيث يتغير ميزان القوى لصالح بكين عسكرياً، فقد تقرر أن الحرب أفضل من ترك حلم إعادة التوحيد يفلت من أيدينا. إذا كان القادة الصينيون قلقين من انزلاق شرعيتهم المحلية، فقد يتصرفون بشكل أكثر عدوانية في الأزمات، خوفاً من أن تكون الحرب أقل خطراً من الإذلال.
قد تقامر بكين حتى بأن الولايات المتحدة ستبقى خارج حرب قصيرة وحادة مع اليابان على جزر «سينكاكو» أو الفلبين على جزر «سكاربورو شول»، وقد لا تؤتي هذه المقامرة ثمارها.
لكن في أي من هذه الحالات، قد تتخذ بكين خياراً متعمداً للبحث عن أهداف رئيسية من خلال استخدام الإكراه أو القوة، مع العلم أن نشوب صراع أكبر هو احتمال حقيقي. إذا نتجت حرب بين الولايات المتحدة والصين عن مثل هذا الخيار، فلا يمكن وصفها بأنها حادثة.
ما السبب الذي يجعل ذلك مهماً؟ لأنه يحمل أفضل طريقة لتجنب الحرب في المحيط الهادي. فمن المفيد صياغة مذكرات تفاهم بشأن كيفية تصرف القوات العسكرية العاملة على مقربة شديدة، وإنشاء آليات للتواصل في أزمة ما واتخاذ خطوات أخرى لتشجيع خفض التصعيد.
ومع ذلك، فإن الأمر المهم هو الحفاظ على توازن القوى العسكري وتصور التزام الولايات المتحدة، ما يجعل من غير المرجح أن يتخيل القادة الصينيون حرباً في المنطقة تسير في طريقهم.
تلك مهمة ضخمة وعاجلة، إذ لا يقتصر الأمر على إنفاق الأموال فحسب، بل يشمل أيضاً ابتكار مفاهيم تشغيلية وقدرات جديدة مثل الأنظمة المستقلة والذكاء الصناعي، التي تجعل من الصعب للغاية على الصين استعراض قوتها، وهو ما يتطلب ذلك تعزيز التحالفات الأميركية التي انهارت أو تضررت خلال إدارة الرئيس دونالد ترمب.
قد تبدو هذه الأجندة شاقة بالنظر إلى مدى تدهور الوضع في غرب المحيط الهادي. ومع ذلك، لا ينبغي أن يخدع الأميركيون أنفسهم بالاعتقاد بأن مجرد إدارة الأزمات والتخفيف من سوء الفهم - على الرغم من أهمية تلك الأهداف - يوفر طريقة أقل كلفة للحفاظ على السلام.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»