اختار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلقاء خطاب متلفز، مساء أول أيام عيد الأضحى المبارك، ليكون الخطاب فرصة للتواصل المباشر مع العراقيين، بينما بلدهم يمر بأزمات متتالية. وكانت الرسالة الأهم في خطاب الكاظمي إعلانه عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وحدّد الكاظمي موعد 6 يونيو (حزيران) المقبل لإجراء الانتخابات، على الرغم من معارضة شديدة من قبل غالبية الأحزاب السياسية في البلاد. وبينما يشدد الكاظمي على ضرورة إجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن ليتسنى للناشطين والمتظاهرين خوض الانتخابات ودخول الحلبة السياسية رسمياً، تصرّ غالبية الأحزاب السياسية على إكمال الدورة التشريعية الحالية، خوفاً من خسارة المنافع الكثيرة التي يتمتع بها نوابها.
ويأمل الكاظمي وغيره من المؤيدين للحركة الإصلاحية في العراق بمواجهة القوى الفاسدة المتغلغلة في بغداد، عبر انتخابات، تغير التركيبة الحالية، وإتاحة فرصة للمستقلين والناشطين لتغيير واقع العراق المضطرب. وكان الذهاب لصناديق الاقتراع من أبرز مطالب المتظاهرين منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كوسيلة للإصلاح. وعلى الرغم من أن هؤلاء الناشطين غير منخرطين في العملية السياسية، فإنهم يقدمون تصورات تتماشى مع طموحات الشعب العراقي، على رأسها حماية سيادة البلد، وهذا ما يتم التعبير عنه في هتاف «نريد وطناً». كما طالب المتظاهرون مراراً بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة قادرة على مواجهة التحديات الجسيمة في العراق. وعلى الرغم من استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي نهاية العام الماضي، والتي كانت مشكّلة على الأسس الطائفية التي حكمت العراق منذ عام 2003، فإن قبضة الأحزاب السياسية على مفاصل الدولة ما زالت قائمة. وقد بذل الكاظمي جهوداً حثيثة لتشكيل حكومة مستقلة بالدرجة الأولى، وحاول الالتفاف على أحكام المحاصصة التي رسخها النظام السياسي البرلماني من خلال غالبية الأحزاب السياسية الحالية في البلاد. ولكن في النهاية، بقيت اعتبارات طائفية وعرقية تحكم توزيع المناصب الوزارية، مع تعيين البعض من التكنوقراط. ومن غير المنطقي التوقع بأن هذه المصالح السياسية والشخصية ستختفي بين ليلة وضحاها، بل أخذت تتعنت خلال هذه الفترة في مواجهة جهود الكاظمي. لذلك يدفع الكاظمي باتجاه الانتخابات المبكرة سعياً لإضعافها. ويذكر أنه على الرغم من قوة علاقاته مع كثير من الفصائل والشخصيات السياسية منذ التسعينات من القرن الماضي خلال فترة عملهم في إطار المعارضة لنظام صدام حسين، فإن الكاظمي لا ينتمي إلى أي من هذه الأحزاب. وقد تعهد عدم خوض الانتخابات، مصراً على أن دوره توصيل العراق إلى بر الأمان من خلال الانتخابات المقبلة. وعلى الرغم من إصراره هذا، بدأت تظهر بوادر تحالفات سياسية قد تسعى إلى منح الكاظمي ولاية جديدة بعد الانتخابات المقبلة.
الانتخابات بحد ذاتها لن تحل أزمات العراق، خاصة أن الميليشيات والجهات الفاسدة في البلاد تعمل بالتوازي مع العملية السياسية. إلا أن الاستعداد للانتخابات قد يقلب بعض التحالفات في البلاد وتضطر الأحزاب السياسية إلى إعادة حساباتها، خاصة أن كثيراً منها يعاني من تراجع حاد في شعبيته. والاستعداد لعملية الاقتراع من شأنه أن ينظم حركة المحتجين والناشطين ويدفعهم إلى عمل سياسي منظم لإحداث التغيير السلمي.
وعلى الرغم من أن فترة 10 أشهر لحين إجراء الانتخابات قصيرة في الحياة السياسية، فإنه من الممكن أن يحدث كثير من المتغيرات في هذه الفترة. والأمر الأهم في هذه الفترة سيكون في تقليص دور الميليشيات ومنع الخارجين عن القانون من استهداف الناشطين والساسة المستقلين. وسيكون على الكاظمي وحلفائه أن يعملوا يومياً لتشجيع الشباب الذي ذكرهم تحديداً في خطابه لخوض العملية السياسية وإحداث التغيير المنشود. عملية اغتيال هشام الهاشمي الشهر الماضي تدل على الخطورة التي تواجهها الأصوات المستقلة، والتي تتحدى تلك المجموعات.
وبينما انشغل العراقيون بخطاب الكاظمي حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في اليوم الثاني من عيد الأضحى المبارك، جاء خبر أحدث ضجة في العراق، شغلهم في باقي أيام العيد، وهو خبر اعتداء رجال أمن عراقيين، بزيهم العسكري، على حدث يدعى حامد سعيد. انتشر تسجيل لعناصر من قوات حفظ القانون يقومون بالإساءة إلى حامد، وهو صبي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، بل وصل الاستهتار لدى تلك العناصر إلى درجة أن يصوروا أفعالهم المشينة وينشروها. سرعان ما تحرك رئيس الوزراء العراقي وأمر بإبعاد قائد قوات حفظ القانون، اللواء سعد خلف، من منصبه، وطرد العناصر المتورطة وإحالتهم إلى القضاء. ثم استقبل في اليوم الأخير من عيد الأضحى المبارك، أي يوم الاثنين، الفتى حامد سعيد وتعهد تقديم الدعم المادي والقانوني له. وقال الكاظمي إنه يسعى لـتحويل ما تعرض له إلى عنصر قوة تخدم المجتمع. تحرك الكاظمي السريع في هذه القضية يبرهن ثانية على أنه يستمع إلى الشارع العراقي، ويريد إصلاح ما يستطيع إصلاحه إلى حين إجراء الانتخابات. ويحاول أن يظهر اهتمامه بقضايا معينة من خلال خطوات ملموسة ضمن صلاحياته وقدراته المكبلة بالمشكلات السياسية، بما في ذلك زيارته إلى مدينة الطب، وهو أكبر مجمع طبي في بغداد أول أيام عيد الفطر الماضي، وزيارته إلى الحدود مع إيران للحديث عن الجمارك وضرورة ضبط الحدود وزيارته لسجن التحقيق المركزي في مطار المثنى.
القصد من الظهور العلني للكاظمي في محافظات مختلفة والتفقد الشخصي لمناطق تعاني من الإهمال، مثل زيارته إلى الموصل الشهر الماضي، أن يدفع العراقيين في شتى المدن للشعور بأن الحكومة تمثلهم جميعاً. ولكن إعادة ثقة العراقيين بالحكومة والنظام السياسي سيتطلب أكثر من ذلك. وهناك 3 عناصر أساسية؛ أولاً إنهاء دور الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، وذلك يحتاج إلى العنصر الثاني، وهو بناء اقتصاد قوي لخلق فرص عمل تستوعب ملايين الشباب والشابات العاطلين عن العمل، وخلق بيئة إنتاجية إيجابية تستوعب من يتخلى عن السلاح، والراتب الشهري المرتبط به. أما العنصر الثالث فمرتبط بسيادة القانون وحماية من يتصدى للفاسدين والخارجين عن القانون.
وقد تعهد الكاظمي بإجراء الانتخابات قائلاً؛ سنعمل بكل جهودنا على إنجاح هذه الانتخابات وحمايتها وتأمين مستلزماتها، بالإضافة إلى تعهده بوجود مراقبين دوليين ومنع تحكم السلاح الخارج عن القانون بالعملية السياسية.
الانتخابات ستشكل فرصة مهمة للشباب الذين يتظاهرون بتواصل منذ أكتوبر الماضي، وعليهم الإعداد للمرحلة المقبلة. هناك تأييد شعبي واسع للحراك الشعبي العراقي، ما يبشر بإمكانية إحداث خرق حقيقي في الانتخابات المقبلة. ولكن خصوم هؤلاء لديهم أذرع طويلة وأموال طائلة ونفوذ من خلال السلاح والدعم الخارجي. فقبل إجراء الانتخابات، يجب أن تقطع تلك الأذرع أو على الأقل تكبل، وإلا فالانتخابات المقبلة لن تجلب التغيير المؤمل به.
TT
هل الانتخابات هي الحل في العراق؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة