وليد خدوري
كاتب اقتصادي عراقي من أوائل الصحافيين العرب المختصين في رصد أسواق الطاقة وشؤون النفط. حاصل على شهادة الدكتوارة من الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات واسعة في الصحافة والنشرات المتخصصة. كما عمل في منظمة "أوابك" وتدريس العلاقات الدولية.
TT

انخفاض ريع أقطار «أوبك» النفطي من 2012 إلى 2020

تتوقع نشرة «ميدل إيست إيكونوميك سرفي (ميس)» استمرار انخفاض الريع النفطي لأقطار منظمة «أوبك» عن المستوى الذي سجله في عام 2012 البالغ 1.13 تريليون دولار. والريع النفطي للدول المنتجة في تدهور مستمر منذ حينه؛ إذ انخفضت الأسعار إلى مستويات متدنية خلال الأعوام من 2014 إلى 2016. وقد استمر انخفاض الريع النفطي لأقطار المنظمة بحيث لم يتجاوز سقف 700 مليار دولار سنوياً منذ حينه. وتتوقع نشرة «ميس» أن يهبط معدل الريع النفطي لأقطار «أوبك» ليصل حتى تحت سقف 350 مليار دولار في عام 2020، وهذا، في حال حدوثه، سيكون أقل معدل ريع نفطي لدول المنظمة منذ عام 2003.
تشير «ميس» إلى أنه رغم إمكانية أن تتغير الأسواق والأسعار بسرعة، فإنه في ظل المعطيات الراهنة، يبدو أن الطلب على النفط سيستمر تحت المستوى الذي كان عليه قبل نشوب جائحة «كوفيد19» التي من المتوقع أن تستمر لفترة غير محددة في المستقبل المنظور. ففترة «البحبوحة النفطية المالية تبدو بعيدة المنال»، بحسب «ميس»، التي تضيف أن القاعدة الآن هي «أسعار منخفضة بدلاً من أسعار عالية».
وتتوقع «ميس» أيضاً أن الضغوط المترتبة على الوضع الجديد ستعني أن «الفروق والمسافة المتباعدة ستتسع أكثر بين دول الخليج النفطية الكبرى وبقية أعضاء (أوبك)؛ إذ إن أولوية بقية هذه الدول المصدرة ستتركز على الاستثمار للمحافظة على طاقتها الإنتاجية، بينما سيصارع البعض الآخر منهم للمحافظة على طاقاته الإنتاجية للمستوى الذي كانت عليه قبل جائحة (كوفيد19) بعد أن تنتهي فترة اتفاقية تخفيض الإنتاج لمجموعة (أوبك بلس) بعد شهر أبريل (نيسان) 2022».
تزامنت توقعات «ميس» مع صدور «النشرة السنوية الإحصائية لمنظمة (أوبك) 2020» التي تعدّ من المصادر الأساسية العالمية في الإحصاءات عن الطاقة. وتدل معلومات «أوبك» لعام 2019 على استمرار المستوى السنوي المنخفض للريع النفطي لأقطار المنظمة، والذي سجل 565 مليار دولار في 2019 بسبب سياسة تخفيض الإنتاج وانخفاض الأسعار.
يذكر أن الريع النفطي لعام 2019 أقل بـ18 في المائة من ريع 2018 البالغ بدوره 692 مليار دولار. تدل «النشرة السنوية الإحصائية لمنظمة (أوبك)» أن منطقة «آسيا - الباسيفك» استوردت معظم الصادرات النفطية، كما أن هذه المنطقة حافظت على مستوى وارداتها النفطية. هذا؛ في حين تقلصت الصادرات النفطية إلى أميركا الشمالية؛ حيث إنها انخفضت من 2.6 مليون برميل يومياً في عام 2018 إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً في عام 2019. من الواضح أن هبوط الصادرات إلى أميركا الشمالية يعزى إلى زيادة معدل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الإنتاج من كندا.
ويشير التقرير الإحصائي لمنظمة «أوبك» إلى أن أكثر الدول تضرراً من انخفاض الإنتاج؛ فنزويلا وإيران، بسبب الحصار والمقاطعة الدولية لنفوطهما وللأزمات الاقتصادية في البلدين. فقد انخفضت قيمة الصادرات النفطية الإيرانية إلى 19.2 مليار دولار في عام 2019، مما يعني انخفاضاً بـ68 في المائة مقارنة بقيمة الصادرات لعام 2018، وهذا نتيجة أقسى عقوبات فرضت على إيران حتى الآن. كما أنه من خلال بيانات «النشرة السنوية الإحصائية لمنظمة (أوبك)»، التي تعتمد في مصادرها هذه على المعلومات التي تزودها بها الأقطار الأعضاء، ومنها إيران، تدل صادرات النفط الخام والمكثفات على انخفاض مستمر بسبب المقاطعة المستمرة، فقد بلغ حجم الصادرات لعام 2019 نحو 651 ألف برميل يومياً، مما يعادل ثلث معدل الصادرات الإيرانية في عام 2018 البالغ 1.85 مليون برميل يومياً. ومعدلات التصدير هذه أقل بكثير من معدل عام 2002 الذي بلغ 2.1 مليون برميل يومياً.
من جانبها، تتوقع «ميس» أنه في حال استمرار صادرات النفط الخام والمكثفات الإيرانية على مستواها الحالي في عام 2020 والبالغ 300 ألف برميل يومياً، فالتقدير أن الريع النفطي الإيراني لعام 2020 لن يتجاوز 9 مليارات دولار، وهذا أقل ريع نفطي إيراني سنوي منذ عام 1988؛ سنة نهاية الحرب العراقية - الإيرانية.
وانخفضت كذلك صادرات فنزويلا نحو 35 في المائة عام 2019 عن العام السابق، متأثرة بالعقوبات المفروضة عليها وكذلك بالفوضى الاقتصادية العارمة في البلاد، خصوصاً في القطاع النفطي، وشكل الريع النفطي لعام 2019 أقل معدل له منذ 2003.
من اللافت للنظر، أن الريع النفطي الليبي لعام 2019 انخفض نحو 4.7 في المائة، وأن قيمة الصادرات البترولية في العام نفسه بلغت 24.2 مليار دولار، حيث استطاع القطاع النفطي استعادة حيويته ثانية لأول مرة منذ انهيار النظام السابق. فقد حققت ليبيا هذا بزيادة إنتاجها وصادراتها أكثر من مليون برميل يومياً لأول مرة منذ 2010 وبعد عقد من تدهور قطاعها النفطي مع انهيار نظامها السياسي للسنوات العشر الماضية. لكن أدى تصاعد المعارك بين الأطراف المتنازعة إلى زعزعة استقرار البلاد ثانية، وضعضعة نشاط «شركة النفط الوطنية الليبية». وتتوقع «ميس» انخفاض معدلات الإنتاج والصادرات الليبية إلى مستويات دنيا لعام 2020، ومن ثم انخفاض الريع النفطي لهذا العام، نظراً لتدهور الأوضاع السياسية وللمعارك المستهدفة حول حقول النفط.
وفيما يتعلق بالعراق، تشير معلومات «أوبك» إلى ارتفاع الصادرات العراقية في عام 2019 إلى مستوى عالٍ بلغ نحو 3.97 مليون برميل يومياً، بزيادة 2.8 في المائة على عام 2018، لكن رغم زيادة الصادرات هذه، فإن انخفاض السعر قد أدى إلى تقلص الريع النفطي للعراق نحو 5 في المائة إلى 80 مليار دولار. وتشير «ميس» إلى أن هناك احتمالاً كبيراً لأن ينخفض الريع النفطي العراقي لعام 2020 إلى نحو 45 مليار دولار بسبب ضعف أسعار النفط؛ الأمر الذي سيكون من الصعب على الحكومة التعامل معه، نظراً لوهن وسوء إدارة الاقتصاد.
وانخفض الريع النفطي للسعودية نحو 29.2 مليار دولار في عام 2019 إلى 202 مليار دولار. وقد شكل هذا الريع نحو 35.8 في المائة من مجمل الريع النفطي لأقطار «أوبك» مجتمعة، نظراً لأن السعودية أكبر دولة منتجة في «أوبك». ومن الملاحظ أن الريع النفطي السعودي قد ارتفع 33.5 في المائة في 2019 عما كان عليه في عام 2018. كما أن معدل السعودية من ريع مجمل أقطار «أوبك» قد ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ عام 1991. ويعود هذا إلى أسباب عدة؛ منها: الحصار والمقاطعة الدوليين لفنزويلا وإيران من ناحية؛ وسقف الطاقة الإنتاجية المحدود لمعظم الأقطار الأعضاء من ناحية أخرى.
* كاتب عراقي مختص بشؤون الطاقة