وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ
TT

الحرس الوطني العراقي بين الضرورة والخطورة

الخلل فيما يسمى بـ«التوازن» بين ممثلي الشرائح العراقية في القوات المسلحة ولد من رحم الفتاوى والمواقف الخاطئة، التي كانت تنادي بمقاتلة القوات الأميركية والحكومية تحت لافتة المقاومة، واستهداف الإرهاب للمتطوعين في الجيش والشرطة بعد إلغاء الخدمة الإلزامية، فأصبح عدد العسكريين من أبناء محافظات شمال بغداد وغربها قليلا للغاية، إضافة إلى ما ترتب على قانون اجتثاث البعث الذي مورس بهوامش غير ثابتة وكان موضع انتقادات مستمرة.
وأظهرت النكسة والتراجع أمام هجمات «الدواعش» أن البناء العسكري لم يبلغ المستويات المطلوبة لمجابهة التهديدات، خصوصا بعد ظهور أرقام عما اصطلح عليهم بـ«الجنود الفضائيين»، إلى جانب حدوث حالات غياب وهروب، وهو ما جعل القدرة القتالية للقوات المسلحة أضعف كثيرا من الحسابات النظرية، مما ساهم في تراجع أداء القوات المفترض خلال الحرب. ووفقا للاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه الحكومة الحالية، تقرر العمل على تشكيل قوات الحرس الوطني لتقوم بمهمات الحماية المحلية ضمن المحافظات، وهو طرح قيل إنه لتجنب حساسيات العمليات، ومع أن الفكرة تبدو عادية، إلا أنها تثير قلقا نتيجة امتزاجها بتصريحات مناطقية يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة على المدى البعيد، إذا لم تضبط نهاياتها، وإذا لم تفصل عن الدواعي والأهداف السياسية، خصوصا تلك المبنية على مشاريع التفكيك الطائفي والعرقي.
وعندما يجري فصل فكرة الحرس الوطني عن السياسيين تماما، وعندما يكون مستوى التسليح دون تسليح وتجهيز الجيش، وعندما تكون القيادة والسيطرة بيد القيادة العامة للقوات المسلحة والمؤسسات العسكرية، تتراجع أسباب الشك ومبررات الاعتراض، على أن تكون القيادة العامة للقوات المسلحة بعيدة عن الكتل السياسية، التي أرهقت خلافاتها السابقة العراق. كما أن من الضروري تجنب المفاهيم الطائفية والابتعاد عن إعطاء صورة الاستقلالية المناطقية بأي شكل، وأن تبقى الأعداد ضمن الحسابات المحدودة مقارنة بحجم القوات المسلحة، ورفض أي فكرة لتحريف التسمية إلى «حرس الإقليم»، في حال ساقت الظروف غير المنضبطة وحالات الوهن إلى تشكيل أقاليم، حتى لو كانت إدارية على مستوى المحافظات.
الحقيقة التي لا شك فيها وتدعو إلى الريبة هي أن أصل الفكرة طرح على أساس المضي خطوة نحو الأقلمة، وهي خطوة من خطوات خطيرة في اتجاهات تقود إلى منزلقات خطيرة. لذلك، لا بد من ضبط نهاياتها وتحجيمها بما يتلاءم ومتطلبات الأمن لمرحلة معينة، قبل أن تنصهر كل القوى والاحتفاظ بقوات الجيش - بما في ذلك القوتان الجوية والبحرية - والشرطة وحرس الحدود، وأن يبقى جهاز الأمن موحدا وضمن قيادة وسيطرة مركزية لا سلطة للمؤسسات الإدارية عليه.
وتبقى التشريعات ضرورية لجعل مسؤوليات الحرس الوطني واضحة، وأن تبقى حركة وتنقلات القوات المسلحة الوطنية من الجيش والقوات الضاربة للشرطة حرة بين المحافظات من دون أي تدخل من قبل المحافظين. وبخلاف ذلك، تفقد الدولة هيبتها وسلطتها، وتصبح قراراتها مرهونة بمواقف عبثية بعيدة عن تقدير المسؤولية المرتبطة بالأمن الوطني، وتؤسس لتفكك البلاد مع أي هزة من هزات المنطقة التي لم يعد أحد قادرا على التكهن بنهايتها، في ظل السياسات والأفكار الطائفية والعنصرية، ومصالح كتل سياسية لها ارتباطات وولاءات خارجية. وحتى الآن، لا يوجد توافق سياسي على فقرات ومواد قانون الحرس الوطني، وعدم التوافق يعد حالة مشجعة تشير إلى ضعف احتمال تكرار الأخطاء الفادحة التي رافقت عملية كتابة الدستور، فالإطار السياسي الحالي في البلاد غير مؤهل لصياغة قرارات حاسمة متسرعة تترك أثرها على مصير الأجيال القادمة.
ووفقا لما هو معروف، فإن الحكومة الحالية تشكلت وفق ورقة تعهدات تتكون من 20 فقرة لم ينفذ منها - كما قيل - سوى فقرة واحدة. وبما أن الاتفاق بين الكتل لا يعد ملزما تنفيذه إذا ما تعارض والإرادة الشعبية، غير الممثلة على مستوى تشكيل رأي عام ضاغط، وبما أن متطلبات الأمن الوطني ومستقبل البلاد ووحدتها أهم من مواقف السياسيين واتفاقاتهم ومصالحهم، فمن الضروري التريث في تحويل اتفاقات تشكيل الحكومة إلى قوانين وإجراءات ملزمة، لحين توافر الظروف الملائمة، حتى لو تأجل التنفيذ عشرين عاما، لأن الأمم لا تبنى في ليلة وضحاها، والديمقراطية لها متطلباتها واستحقاقاتها ومراحلها المنطقية، والحقب المضطربة لا يمكن أن تشكل قاعدة صحيحة للمعالجات التاريخية.