د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

شمعة في فضائنا الدامس

لماذا ينشغل العالم بغزو الفضاء؟ سؤال طرحته على من درب رواد الفضاء على مواقع الهبوط على سطح القمر العالم د. فاروق الباز، وذلك في لقاء جمعني به في مكتبه بجامعة بوسطن الأميركية عام 1999. فقال في حوار ناهز الساعة ما معناه: إن الهبوط على سطح القمر كان فرصة مهمة لاكتشاف الكون وطبيعة الكرة الأرضية. وما جمع من معلومات أسهم في تشكيل قيمة مضافة مهمة للعلم الحديث في شتى المجالات. سألته أيضاً عما يتردد دوماً بشأن تمثيلية أو خرافة الهبوط على سطح القمر فقال: ألم نسأل أنفسنا من أين جاء رواد الفضاء بهذه الصخور التي ليس لها نظير في كل أرجاء الكرة الأرضية. وكان يقصد أن ما جمع من صخور وأتربة وهواء وخصائص طبيعية وغيرها أسهم في تنوير البشرية.
وأنا أشاهد لحظة انطلاقة أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، تطلقه الإمارات، تذكرت لقائي مع البروفسور الباز عن القيمة المضافة. وهذا ما فعله الإماراتيون حينما اتجهوا إلى لجنة بوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) تسمى «مجموعة تحليل برنامج استكشاف كوكب المريخ». وحاولوا التأكد من المساهمة البحثية التي يمكن أن يضيفها مسبارهم إلى المعرفة الحالية. فتم الاتفاق على أن يدرس القمر الصناعي الإماراتي كيفية تحرك اتجاهات الطاقة عبر الغلاف الجوي وذلك خلال جميع فصول السنة، وغيرها من أمور يتوقع أن تكتشف لأول مرة. وهو ما يعني أنه إذا كتب النجاح للمسبار فإنه سوف يجعلنا نفهم أموراً جديدة منها الطريقة التي فقد بها الكوكب الأحمر الكثير من مسطحاته المائية وهوائه.
حتى لو أخفق «مسبار الأمل» فلا ضير، فهذه الانطلاقة بحد ذاتها نجاح، لا سيما أنه قد كُتِبَ بالفعل لنصف المهمات المرسلة للمريخ سابقاً الفشل. على أقل تقدير نجح مسبارنا في وضعنا على خريطة الجادين في التفكير العلمي ومحاولة اكتشاف شيء جديد للبشرية.
وأنا هنا أتخيل صور مناهج الطلبة، إذا استمرت الدولة في مشروع الاستكشاف عبر مركز محمد بن راشد، كيف ستكون تلك المعلومات والصور غائرة في أذهان الأجيال. وسوف تدب هذه الرحلة الحياة في عزوف العرب بطبيعتهم عن العلوم وميلهم نحو التخصصات النظرية، وهي عقدة قديمة يبدو أن بوادر تغييرها تلوح في الأفق.
وبعيداً عن أحاديث العرب العاطفية، لفتني كلام كبير مهندسي النُظم في مختبر جامعة كولورادو، بريت لاندين، بقوله: «إن الإماراتيين باتوا الآن مؤهلين بشكل كبير للاعتماد على أنفسهم في تصميم وبناء المسبار القادم»، وأن «المهندسين الإماراتيين عرفوا الآن كيف تسير الأمور، وسيقومون بالمهمة وحدهم في المرة المقبلة»، بحسب «بي بي سي».
هذا المسبار، الذي انطلق بوزن سيارة (103 أطنان) سوف يصل بعد نحو 7 شهور أي في فبراير (شباط) 2021. وهو موعد احتفال دولة الإمارات بالذكرى الخمسين لإنشائها على يد المؤسس الراحل الشيخ زايد الذي جمع ذات يوم خبراء ورواد فضاء وضعوا أمامه مجسماً لمركبة فضائية. وقد رأيت في عين الشيخ بريق الطموح. وها هم أبناؤه يتقدمهم خليفة بن زايد ومحمد بن زايد ومحمد بن راشد يحققون «أمله» في مسبار يرفع همة العرب إلى آفاق جديدة.
ومن المفارقات، أن «مسبار الأمل» إلى المريخ يشبه الشمعة، وكأنها محاولة إماراتية لإضاءة شمعة في فضائنا العربي الدامس.