حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

طرق تجارية جديدة!

منذ قديم الزمان والإنسان في سعي حثيث لاكتشاف مسارات وطرق تجارية جديدة. في جزيرة العرب عرفت رحلة الشتاء والصيف، التي كانت الخط التجاري الذي يربطها ببلاد الشام شمالاً واليمن جنوباً، أو كما سماها القرآن الكريم «إيلاف قريش». وحضارات مختلفة، بداية من الفينيقيين وصولاً إلى الإغريق والرومان ومن جاء بعدهم، اتخذت حوض البحر المتوسط كحلقة وصل للتبادل التجاري. وانطلق الفايكنغ في الشمال الإسكندنافي الأوروبي الحالي وحاولوا فتح الطرق الجديدة للتجارة بشكل غير تقليدي.
وطبعاً هناك تجربة طريق الحرير القديمة التي ربطت بلاد العالم القديم انطلاقاً من بلاد الصين، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى قلب أوروبا، وسميت هذه الطريق باسم «الطريق الذهبية»، وفتحت مجالات عظيمة وغير مسبوقة للتبادل التجاري بين دول بعيدة جداً لم يكن من المتخيل أن يحصل بينها أي نوع من العلاقات من هذا النوع. وقد وثق هذا التاريخ بشكل مميز ولافت جداً الكاتب والمؤرخ البريطاني في جامعة أكسفورد العريقة بيتر فرانكوبان الذي اختار له العنوان الدال «طرق الحرير»، وهو يقدم رؤية مغايرة وبديلة للتاريخ من منظور حضاري آسيوي، وليس من وجهة نظر غربية أوروبية فوقية تقليدية. وهدفه من هذا الطرح المقنع والجريء، كما قال، أن يقنع القراء بأن قصة آسيا وقصة أوروبا هي في واقع الأمر قصة واحدة كان بينهما ترابط وتداخل وتشابك قديماً، ويتكرر الأمر نفسه بشكل أكبر وأدق في هذه الأيام المعاصرة.
أيضاً هناك تجارب شبه الجزيرة الآيبيرية التي تشمل إسبانيا والبرتغال لتمويل «طرق بحرية جديدة» لدعم تجارة إمبراطوريتهما، ولعل أشهرها تمويل حملة كريستوفر كولومبوس من قبل الملكة إيزابيللا ملكة إسبانيا لاكتشاف طريق جديدة إلى الهند، فما كان منه إلا أن وصل إلى الأميركتين، وبدأ عصر عظيم في التواصل بين الشعوب بسبب اكتشاف طريق تجارية جديدة.
وإلى حد كبير حصل الشيء نفسه، عندما دشن البرتغاليون مسار رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوبي القارة الأفريقية، كما كان لشق قناة السويس كممر مائي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط الأثر العظيم في تطوير التجارة العالمية، وتم تقليد هذا النموذج لاحقاً مرة أخرى في أميركا الوسطى، حين جرى تدشين قناة بنما لتختصر المسافة البحرية في حركة التجارة وتفتح مجالات وفرصاً هائلة للأعمال.
اليوم هناك سباق هادئ ولكنه في غاية الأهمية بين دول مؤثرة للترويج لخطوط تجارية «جديدة»، فالصين تسعى جاهدة لضم أكبر عدد ممكن من الدول لمبادرتها العملاقة التي أطلقت عليها «مبادرة الحزام والطريق»، وهي مبادرة تربط مدناً كثيرة ومختلفة في آسيا وأفريقيا وأوروبا. والمبادرة طموحة جداً وتعيد إلى الذاكرة الأثر القديم الذي كانت عليه «طريق الحرير القديمة» المعروفة، وهي مسألة تأتي مع الطموح المتزايد للصين بعد نشوة النجاحات الاقتصادية عبر العقود الأخيرة من الزمان.
وهناك مشروع روسي آخر يتعلق بربط آسيا بأوروبا بقناة بحرية وخطوط سكك حديدية عن طريق الشمال الروسي المتجمد في أقصى القطب الشمالي، وطبعاً تروج روسيا لهذا المشروع الحلم بأنه فرصة ذهبية للعالم، لأنه «حل سحري» للوقت والتكلفة التجارية، نظراً للتوفير العظيم المنتظر في المصاريف والعنصر الزمني إذا ما تم تبني الحل الروسي الجديد.
أما الولايات المتحدة، فهي تعتقد أن الحل عندها هو اللجوء للفضاء بالشكل التجاري الطموح، الذي سيفتح طرقاً تجارية جديدة خارج الصندوق تماماً، فيها أيضاً اختصار للوقت ومع الوقت سيكون هناك التوفير المالي المنشود.
سباق الطرق التجارية مسألة لم تتوقف في صراعات الأمم والشعوب والإمبراطوريات، وما من توسع استعماري إلا وكانت معه خريطة جديدة من الطرق التجارية الموعودة، وهذه الخرائط كانت دوماً تكشف طلاسم التوجهات السياسية والاقتصادية لمطلقيها!