هنالك حاجة ملحة لرفع الوعي العالمي بالتهديدات التي يشكلها النظام الإيراني وسياسته الخارجية في الشرق الأوسط، سواء تداخلاته في شؤون الدول الأخرى، وبثّ الطائفية، وسياسته المزعزعة للاستقرار والسلم والأمن، وسلوكه التخريبي، وسياسته الاستفزازية.
نعم قولاً وفعلاً، إيران تقوم بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بعدة طرق، وذلك في مخالفة صريحة لمبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، التي تتضمن وجوب امتناع الدول عن التدخل في الشؤون الداخلية والسيادية للدول الأخرى.
وواقع الحال أن إيران بما تقوم به من أفعال «قولية» تتمثل في التصريحات التحريضية أو «الفعلية» تتمثل في السياسات التحريضية وخلق الميليشيات الإرهابية والأحزاب الآيديولوجية وصناعة الفوضى واعتداءات عسكرية على دول الجوار، وكل ذلك هو انتهاك صارخ لسيادة الدول وعدم احترام لحقوق شعوبها.
فالسياسات الإيرانية تجاه المنطقة ودولها له عدة صور، منها: 1 - برنامج نووي غير واضح، 2 - ترسانة صاروخية بعيدة المدى، 3 - استفزازات وخلق صراعات طائفية، 4 - خلق ودعم ميليشيات آيديولوجية متطرفة وإرهابية في كل من اليمن وسوريا والعراق، 5 – استهداف منشآت حيوية ومطارات مدنية خارج حدودها.
ومنها ممارسات تهدد الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بالإضافة إلى أنشطة مزعزعة لأمن وسلامة الملاحة البحرية في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وما سبق يمثل تهديداً صريحاً للأمن والاستقرار الإقليمي والملاحة البحرية والتجارة العالمية، وضمان أمن الطاقة العالمي واستمرار تدفق إمدادات الطاقة.
وللأسف، هذه السياسات والأفعال تعمل على تقويض أمن واستقرار المنطقة، فكيف لنا ألا نكترث بهذه التصريحات والأفعال الصادرة عن النظام الإيراني، والتي تتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم وموحد تجاهه، وتجاه أعمالها التخريبية والعدائية المُزعزعة لاستقرار المنطقة والاستقرار العالمي. ورغم كل ما سبق لا يزال المجتمع الدولي غير مدرك لحجم المخاطر والتهديدات الإيرانية، لخلافات سياسية بين دوله العظمى.
وتوضيحاً لأسباب ذلك...
أولاً - من المهم فهم العقيدة السياسية لإيران، ومختصرها أنها وضعت منهجاً لها في المنطقة، وهو تصدير آيديولوجيا ثورية، وخلق نفوذ غير شرعي ومزعزع لها في المنطقة، وكان هذا واضحاً بعد ثورة 1979؛ حيث تمت صياغة بعض الأهداف في دستورها، مفادها بأنها ستقف مع الشعوب المستضعفة، مع مبادئ ثورية أخرى وكأننا نعيش في عصر الفوضى، وأصبحت المبادئ التي كرّستها في دستورها مدرسة لكبار مسؤوليها ونظامها القائم، حيث يقومون بابتكار أساليب للتدخل في شؤون دول الجوار، بدلاً من التفرغ للشؤون الداخلية لشعبهم ورفاهه.
هذه المبادئ الدستورية وضعتها إيران، ونفّذتها في سياستها الخارجية في تناقض واضح مع المبادئ الراسخة في العلاقة الدولية فيما يتعلق بحسن الجوار، والمقاصد والمبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة وميثاقها، وما جاء في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة، من أن تعزيز العلاقات الودية بين الأمم يقوم على أسس الاحترام المتبادل بين الدول.
ثانياً - لمعرفة لماذا تظهر إيران بمثل هذا السلوك العدواني، يجب أن نفهم أولوية القيادة الإيرانية والصراع والتنافس داخل هذه المنظومة، فالسياسة الخارجية الإيرانية تعكس توجهات ووجهات نظر مختلفة لأفراد، أساسها استخدام مفاهيم دينية لتحقيق أهدافهم السياسية، كي تضمن لهذه القيادة موطئ قدم في دول المنطقة، ويكون ذلك عن طريق بثّ الخلاف بين المذاهب الإسلامية، إضافة إلى تعزيز خطاب الكراهية والطائفية والعنصرية.
وفي سبيل تنفيذ أهدافها، قامت إيران بخلق أدوات كثيرة، منها «الحرس الثوري» وإنشاء مجموعة داخل «الحرس الثوري» تسمى «فيلق القدس»؛ حيث يقوم «الحرس الثوري» وعدد من قياداته وتقسيماته بخلق شبكات وكلاء لإيران، والتعامل مع الإرهابيين، دعماً وتحقيقاً لأهداف النظام الإيراني.
وساعد في تنفيذ الأهداف أنها استغلت مداخيلها المالية من ثرواتها النفطية، وعوضاً عن السياسات الرشيدة في صرف ذلك لتحقيق التنمية لشعبها والنمو في اقتصادها، استغلت ثرواتها في تقويض السلام في منطقة الشرق الأوسط ودعم المنظمات الإرهابية في دوله، باستخدام سلاح الطائفية وحملات التحريض الديني والسياسي. وثمة دلائل أن النظام الإيراني متورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع في كثير من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، علاوة على أنه يقع على عاتقه سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وتشريد الملايين وزيادة اللاجئين في سوريا واليمن، وانتهاكه سيادة العراق باستهدافه قواعد عسكرية في أراضيه، وتصريحاته غير المسؤولة تجاه البحرين، واحتلال الجزر الإماراتية، إضافة إلى إثبات تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن صواريخ «كروز» التي هوجمت بها منشأتان نفطيتان تابعتان لـ«أرامكو» ومطار دولي في السعودية، صواريخ إيرانية الصنع، وكل ذلك هو انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي، وتجاهل تام لجميع القوانين والمعاهدات الدولية والقرارات الأممية، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 2231 المعني بمراقبة تطبيق إيران لالتزاماتها الدولية.
لهذه الأسباب الموجزة، لا بد من معالجة الخطر الإيراني بمنظور شامل، لا يقتصر على برنامجها النووي فقط، ويجب دعم أي إجراءات أو عقوبات دولية أو أحادية تساعد على وقف العدوان، أو الحد منه، والتدخل الإيراني السافر في شؤون دول المنطقة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتهديد حركة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، والهجمات الوحشية على مصالح حيوية وقواعد عسكرية، واحتلال لجزر، وتصريحات عدائية.
* نائب مندوب السعودية الدائم
لدى الأمم المتحدة
TT
لماذا يجب استمرار العقوبات الدولية على إيران؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة