وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ
TT

هل استعاد «الدواعش» المبادأة؟

تبدو الصورة هكذا، لكن لفترة وجيزة وفي مناطق محددة، حيث هاجموا في نقاط عدة شمال بغداد وغربها، أي في المناطق العربية السنية وفق توصيفات التشرذم الـ«لا وطني» التي يحلو للبعض تداولها. وبقيت جبهة الموصل ساكنة عدا هجوم محدود على قوات البيشمركة في سد الموصل. ولم أجد تفسيرا منطقيا وحجة مقبولة للسكون في ثاني أكبر مدينة عراقية. وأجاد رجال عشائر الأنبار - رغم محدودية المشاركة حتى الآن - في رد هجمة «الدواعش» على الرمادي، وهي أكبر هجمة منذ سقوط الموصل، وأبدع قائد العمليات الجنرال قاسم الدليمي في شحن الهمم وقيادة المعارك من على حافات الاشتباك الأمامية.
هجمات «داعشية» في جنوب غربي كركوك، غير أن القاطع غير مثير للقلق في وجود محافظ كركوك؛ الشخصية القيادية الميدانية الشجاعة، وهجمات ومحاولات لقطع طريق بغداد - تكريت لإعطاء انطباع زائف عن وجود تهديد «واسع» لمدينة سامراء الحساسة، ومهاجمة مواقع في منطقة البيجي المهمة.. وكل هذا لتوفير ظروف عمل لمحاولة احتلال مدينة الرمادي الهدف الاستراتيجي الكبير. وقبلوا الهزيمة مضطرين في السعدية وجلولاء (شمال شرقي بغداد) التي يرجح أن يكون لإيران دور ما من المساعدة في استعادتهما. ترى ما سر ما يحدث؟ وهل يعقل احتفاظ «الدواعش» بقدرة المناورة بين قواطع العمليات؟
تمكنت القوات العراقية بكل عناوينها من تحقيق انتصارات شكلت تطورا كبيرا، بعدما كان يعتقد أن الانتقال السياسي والتنقلات في المواقع القيادية العسكرية ستحدث فراغا، ولو استمر الوضع وفقا للمعادلات الجديدة لحدثت انهيارات في جبهة خصوم العراق وأعدائه، فجاء رد الفعل بطريقة تدل على أن مركز التخطيط والقيادة الرئيسي لـ«داعش» لم تطله الضربات الجوية، لأنه بقي مخفيا أو في مكان آمن خارج ميادين الحرب المباشرة! وعندما يكون المقر آمنا، تصبح احتمالات المناورة واردة في الظروف التي لم تنحدر إلى مستوى الهزيمة الشاملة.
إذا ما نجحت القوات العراقية في هزيمة «داعش» في مدينة الرمادي تحديدا - ويفترض أن تحقق ذلك قريبا - فلن يعود ممكنا أن نشاهد تطورا مفاجئا يثير القلق، وفق كل الحسابات العسكرية على أساس ظهور تهديد استراتيجي كبير، وستكون معركة تحرير الموصل هدفا استراتيجيا حاسما، غير أن الطروحات المناطقية والطائفية وغير المنضبطة تتسبب في تخييب آمال النازحين في العودة إلى ديارهم سريعا - كما يفترض - ولا شيء يقدم خدمة جليلة لـ«الدواعش» مثلما تقدم التصرفات «التي يراد بها الاستفادة من أموال نفط الجنوب، وعدم التعايش مع أهله»، وأقصد هنا أشخاصا يحملون هوية عراقية عربية، فمثل هذه المواقف تخمد حماس مراكز القوة العراقية وتجعل أفق التحرير أبعد، قياسا بما يمكن تحقيقه في زمن أقل كثيرا. لا شيء أهم في الحروب من ظهور القيادات العسكرية والسياسية في مناطق القتال الأمامية، فبمجرد أن يكسر جدار الخوف النفسي يجد المرء نفسه آمنا حتى في المواقع الأمامية، ولا أزال أترقب ظهور سياسيين وشيوخا من «العرب السنة» في المواقع الأمامية، كما شاهدنا زيارات أو وجود السيد عمار الحكيم ووزير الداخلية محمد الغبان والنائب هادي العامري ورئيس الوزراء ومحافظ كركوك ومن التيار الصدري في المواقع الأمامية، ومطلوب رؤية جبهة الموصل من منظور المقاومة، وليس أن نرى الأميركيين يستقبلون سياسيين فاشلين من السنة كانوا سببا كبيرا في الأزمة، بعد 5 أشهر من الصراع ولا وجود لهم على الأرض، وهذا إشارة إلى السيد الجنرال الأميركي المتقاعد الآن المكلف متابعة الملف العراقي حاليا.
عمر «الدواعش» في العراق لن يكون طويلا، رغم وجود عشرات الآلاف ممن غرر بهم من العراقيين الذين يعملون معهم.. وهؤلاء مرحلة عابرة من مراحل الزمن السيئ في العراق وسوريا، غير أن الحل يتطلب عدم توسع الجنرال الآن في التعامل خارج نطاق الحكومة العراقية، مع الحرص على الابتعاد عن سلوك وعاظ السلاطين، فالضرورة تحتم مساندة الحكومة العراقية في ضمان مركزية قراراتها السيادية، ومنع التشرذم الطائفي والمناطقي والقبلي بحزم، وعدم الترويج لوجود حكومات متعددة، باستثناء حكومة إقليم كردستان، وعلى الحكومة العراقية الدفع بروح أخوية لاستقلال الكرد، وأن تحسب حساباتها وفقا لهذه القاعدة، فإن رغبوا بعد استقلالهم في العودة إلى العراق، تفتح لهم القلوب.