خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ألم الفراق

جمعت ضفاف النيل لسنوات عديدة بين الشاعر حافظ إبراهيم وصديقه الأديب أحمد بدر، ولكن الزمان، مفرق الأحباب، فرق شملهما بعد أن رحل الأستاذ أحمد إلى بريطانيا للدراسة في جامعة أدنبره. شعر الشاعر بألم الفراق وبالشوق الحراق نحو صاحبه، ففاضت شجونه في قصيدة ميمية طويلة نشرها في 15 يوليو (تموز) سنة 1908، بث فيها لواعجه وشكواه من ضيق معيشته. واستدعى ذكريات الأمس على الجانب الغربي من القاهرة، فقال:
ملكت علي مذاهبي
وعصاني الطبع السليم
وجفا يراعي الصاحبـــــــ
ان فلا النثير ولا النظيم
أشقى وأكتم شقوتي
والله بي وبها عليم
لا مصر تنصفني ولا
أنا عن مودتها أريم
وإذا تحول بائس
عن ربعها فأنا المقيم
فيها صحبتك واصطفيتك
أيها الخل الحميم
أنا من عرفت ومن خبر
ت ومن مودته تدوم
مصر والعراق حضارتان نهريتان كل ما فيها يدور في حياتهما على ضفاف النيل ودجلة والفرات. وكلما التقيت بالمغتربين المصريين والعراقيين في لندن وجدت حنينهم ينصب على الأيام التي قضوها على شواطئ القاهرة وبغداد. وعندما يحن شعراؤهما إلى الماضي ، يلوذون فوراً بذكريات النهرين الخالدين. هكذا فعل الجواهري في قصيدته الخالدة «يا دجلة الخير» وها بنا في هذه القصيدة لا يلبث حتى نسمع شاعر النيل يتغنى بذكريات نيله:
لله دنياك الجوا
ر وذلك العيش الرخيم
بالجانب الغربي فو
ق النيل والدنيا نعيم
إيان يعرفنا السرو
ر بها وتنكرنا الهموم
أيام نلهو بالضبا
ء وفي مسارحها نهيم
لا أنت تصغي للعذو
ل ولا أبالي من يلوم
لله أندية لنا
قد زانها الخلق الكريم
والنيل مرآة تنفـــس في صحيفتها النسيم
ثم يعود الشاعر ليخاطب صاحبه في دنيا الثلج والغربة فيقول:
يا ليت شعري كيف أنـــــت وكيف حالك يا زعيم
أما أنا فكما أنا
أبلي كما يبلى الرديم
لا خل بعدك مؤنس
نفسي ولا قلب رحيم
أمسى احتواك الزمهريــــر
وظل يصهرني الجحيم
فشرابك الماء الشنان
وشربي الماء الحميم
فكأنني فرعون مصـــــــر وأنت شيطان رجيم
فابعث إليّ بنفحة
برداً بها يحدو الهزيم
أبعث إليك بلفحة
حرى بها تجري السموم
أما تحيتنا إليـــــــــــــــك فسوف يشرحها الرقيم