تيموثي إل. أوبريان
TT

«فيسبوك» والمساس بالمحتوى

نظّم موظفو شركة «فيسبوك إنك» انسحاباً جماعياً «افتراضياً، بطبيعة الحال»، فهذه في نهاية الأمر «سيليكون فالي» وثمة وباء متفشٍ بالبلاد. كما نشروا عبر شاشة محادثة داخلية شكوى من أن زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك» الذي تحول إلى شبكة تواصل اجتماعي عملاقة، يسمح باستغلال الشبكة في تأجيج العنف والكراهية والمعلومات المضللة، من خلال السماح ببقاء المنشورات التحريضية للرئيس دونالد ترمب مكانها دون مساس بها.
والتقت مجموعة معنية بالحقوق المدنية بزوكربيرغ، ورئيسة شؤون العمليات المعاونة له، شيريل ساندبيرغ، مؤخراً، لمناقشة مخاوفهم حيال استخدام ترمب «فيسبوك» لبثّ الفرقة في البلاد، في خضم المظاهرات التي اشتعلت بسبب مقتل جورج فلويد. ومن بين من انضموا إلى الاجتماع، رئيس منظمة «كلور أوف تشينغ»، رشاد روبنسون، الذي شعر بالانزعاج إزاء قرار زوكربيرغ بإبقاء منشورات ترمب.
وقال روبنسون لمراسل «بلومبرغ نيوز»: «المشكلة في محادثاتنا المستمرة مع مارك أنني شعرت أنني قضيت وقتاً طويلاً، وقضى زملائي وقتاً طويلاً في شرح السبب وراء كون هذه الأشياء مشكلة، وأعتقد أنه يفتقر إلى درجة كبيرة القدرة على فهم حديثنا».
أيضاً، أصدر روبنسون واثنان من قادة حركة الحريات المدنية، ممن شاركوا في مقابلة زوكربيرغ بياناً حول الأمر، قالوا فيه: «لم يبدِ تفهماً للقمع التاريخي أو المعاصر الذي يتعرض له الناخبون... مارك يقرّ سابقة شديدة الخطورة أمام الأصوات الأخرى التي قد تتفوه بأشياء مشابهة ومضرّة عبر (فيسبوك)».
من جانبه، عقد زوكربيرغ مؤتمراً عبر الفيديو، مع موظفين لمناقشة ردود الفعل السلبية إزاء منشورات ترمب، وظل متشبثاً بموقفه. وقال إن السماح ببقاء منشورات ترمب كان «قراراً صعباً»، لكنه كان «الإجراء الصحيح».
وقال زوكربيرغ: «ليست هذه الصورة التي أعتقد أنه ينبغي لقادتنا إظهارها في هذا الوقت. هذه لحظة تستدعي الوحدة والهدوء والتعاطف مع الأشخاص الذين يعانون. هناك تساؤل حقيقي يطل برأسه من كل هذا، وهو ما إذا كنا نرغب في تطوير سياستنا حول مناقشة وضع استخدام القوة. خلال الأيام المقبلة، وفي ظل نشر قوات الحرس الجمهوري حالياً، ربما ستكون المسألة الكبرى التي أشعر بالقلق إزاءها الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة أو الجيش. وهناك حجة قوية تدعو إلى ضرورة وضع حدود حول مناقشة هذا الأمر».
جدير بالذكر أن ما يصل إلى 2.2 مليار نسمة، من إجمالي 7.8 مليار يعيشون على الكوكب، يستخدمون «فيسبوك»، الذي يشكل آلة اتصالات ودعاية عملاقة، وشبكة اجتماعية عملاقة، وساحة هائلة أمام العملاء السياسيين والتجاريين. وعبر «فيسبوك» تحدث أمور جيدة وأخرى سيئة. ومع أن زوكربيرغ من بناه، فإن نفوذه ونطاقه تضخم، وفاق بالتأكيد قدرة مؤسسه على توجيهه بفاعلية دون أن يحظى بمشورة رشيدة وتفكير منفتح.
وإضافة إلى المخاوف بخصوص منشورات ترمب، اشتكى موظفو «فيسبوك» من أن زوكربيرغ يعمل داخل فقاعة، وبحاجة لقدر أكبر من التنوع بين كبار مستشاريه. ومع تحركه نحو إعادة التأكيد على سلطته داخل الشركة في الشهور الأخيرة، حشد حاكم «فيسبوك» البالغ 35 عاماً مجلس إدارته بمزيد من الأعضاء المرنين.
وأعلن زوكربيرغ أنه لا يعتقد أنه ينبغي لأي منصة تواصل اجتماعي أن تكون «حكماً على الحقيقة». ويتماشى هذا مع تصريحات سابقة له حول حاجة «فيسبوك» لإتباع توجه يقوم على عدم المساس بالمحتوى على موقعه، وأن العبء ينبغي أن يكون على عاتق المستخدمين فيما يخص ما يتعين عليهم اعتقاده.
ومع هذا، فإن هذا لا يتناغم مع أسلوب تصرف زوكربيرغ. على سبيل المثال، في خطوة يستحق الشكر عليها، رصد زوكربيرغ خطر «كوفيد - 19» مبكراً، وأعلن «فيسبوك» في يناير (كانون الثاني) أنه سيحذف المعلومات المضللة حول فيروس «كورونا» من الموقع. وفي وقت لاحق، أسّس زوكربيرغ مركز معلومات حول الوباء على «فيسبوك» مخصصاً لتوفير بيانات عالية الجودة ودقيقة لمستخدمي الموقع. وهناك أمثلة أخرى لإقدام «فيسبوك» على حذف معلومات أو تفاعلات اعتبرها خطيرة من الموقع.
في الواقع، الجدال الدائر حول ترمب وزوكربيرغ يتضمن ديناميكيات تتجاوز المعارك الدائرة في شوارع المدن حالياً، فزوكربيرغ رجل أعمال حصيف، يدرك جيداً أن مراقبة محتوى موقعه بفاعلية سيشكل عبئاً ثقيلاً ويتطلب تكاليف كبيرة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»