مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

النظافة من الإيمان

موضوعي الذي سوف أطرحه اليوم، كله من أوله إلى آخره يدور حول نظافة المساجد، وبسم الله نبدأ...
طالبت منظمة الصحة العالمية بضرورة اتباع كافة الإجراءات الوقائية لمنع عدوى فيروس «كورونا» من الانتشار، ووجّهت المنظمة تحذيراً يخص المسلمين من مفروشات المساجد، وشددت على ضرورة أن تكون لكل فرد سجادة صلاة خاصة به، محذرة من تداول سجادة الصلاة العامة، لكونها قد تكون مصدراً للعدوى. انتهى.
وهذا هو بالضبط ما دعوت إليه، وحذرت منه سابقاً، وقد جابهني أحدهم في حينها وطوّل لسانه عليّ، لأنني قلت له فقط: «النظافة من الإيمان»، فازداد غضبه وكاد يمسكني من زمّارة رقبتي، لولا أنني تحاشيته سريعاً «بالمراوغة» التي أتقنها وأبرع فيها منذ نعومة أظافري!
وكان ذلك «الهرش» العدواني يظن للأسف أنني أعتبر تلك المقولة حديثاً شريفاً، وحاولت بشتى الوسائل أن أشرح وأوضح له أنني استشهدت بتلك المقولة التي أعتبرها من جوهر الإسلام الذي يحضنا على النظافة ويدعونا للتطهر بالوضوء، كما يدعونا المولى عزّ من قائل: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ». والزينة بحدّ ذاتها هي قمة النظافة، فكيف تكون الزينة والتطهر مع ارتداء الملابس القذرة؟! وليس هناك أرخص من الماء والصابون، غير أن بعض الناس يستطيبون روائح أجسادهم التي تصرع الطيور الحائمة.
أعود لصلب الموضوع الذي ذكّرتني به تلك المنظمة، وأقول وأدعو للمرة الثالثة بإلغاء المفروشات نهائياً التي تمتلئ بها المساجد، وهي الحاضنة للجراثيم من جراء الذين يدوسون عليها بأقدامهم «المرطرطة» بالمياه. لهذا أنا أضع طرف شماغي بينها وبين جبهتي عندما أسجد، وأتمنى أن تكون أرضيات المساجد كلها «بالسيراميك»، حيث يستطيع عامل واحد أن يغسلها وينظفها ويعقمها يومياً بماكينة نظافة أوتوماتيكية خلال ساعة واحدة.
وعلى كل مصلٍ أن يأتي معه بسجادته الخاصة التي لا تشكل عبئاً عليه، وإذا كان رجلاً «ديليكا» (أي مفزلك ونوفوريش)، ويخاف على ركبته «الكريستالية»، فهناك سجاجيد محشوة بالإسفنج، فليصلِّ عليها وكأنه يصلي على «طراحة»، وإذا كان لا بد فليصلِ على كرسي، ويا دار ما دخلك شرّ.
وأخيراً، ليس هناك مُصَلًّى على وجه الأرض أطهر من ساحات الطواف حول الكعبة، وكلها مفروشة بالرخام، ويصلي الناس عليها بدون سجاجيد، ولم أسمع عن واحد منهم قد خرج من الحرم المكي الشريف، وركبته مكسورة، بمن فيهم أنا الذي كلما ذهبت إلى الحرم لأصلي، لا أصلي إلا على رخام المطاف، وبدون سجادة.