حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

إلى متى يا «كورونا»؟

فيروس كورونا (كوفيد - 19)، الذي حشر أكثر من 3 مليارات نسمة في بيوتهم، وأمرض 2.400.000 بفيروسه الخطير، وانتزع الحياة من 164.000 إنسان (حتى تاريخ كتابة هذه السطور)، وأقام الكرة الأرضية ولم يقعدها، ولم يبق أهل مدر ووبر إلا وتأثروا منه... البشر قاطبة وبلا استثناء، يتساءلون: متى ينحسر هذا الوباء الممرض القاتل الحابس المفقر النكد، وتعود عجلة الحياة إلى دورانها الطبيعي؟ ستقولون: سمعنا أجوبة متفاوتة، بعضها متشائم، وبعضها متفائل، والبعض الآخر «متشائل»، أي يجمع بين التفاؤل والتشاؤم، وستقولون: حتى المراكز الطبية المتخصصة وعلماء الأوبئة أيضاً مختلفون، والأمر كذلك، فيكفي من دروس «المعلم» (كورونا) أن البشر مهما تعاظم علمهم، وأبدعت اختراعاتهم، وأذهلت تقنياتهم، فحالهم «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً».
إذا كان هذا الجدل الكبير حول توقيت انحسار فيروس كورونا، فما الذي اتفق عليه معظم المختصين والعالمين بحال الأوبئة وترياقها والوقاية منها؟ أولاً: يستبعدون تطوير لقاح ضد الفيروس عما قريب، ويؤكدون أن الأمر قد يتطلب عاماً أو ربما مدة تصل إلى 18 شهراً. ثانياً: وبما أن تطوير اللقاح سيحتاج هذه المدة الطويلة، عطفاً على تجربة المدد التي استغرقتها مراكز الأبحاث في الوصول إلى أمصال للأوبئة والفيروسات السابقة، فإن فيروس كورونا سيظل تهديداً محدقاً بدول العالم «تقديرياً» حتى سنة 2021، وتستأنس هذه التقديرات إلى تجربة الصين الرحم التي تمدد فيه فيروس كورونا، وولد، فقد انتشر ليصيب أكثر من 183 ألف شخص ويقتل أكثر من 7 آلاف. ثالثاً: وهو المهم لكل البشر، الوقاية، حيث تقول مورغان كاتز، الباحثة في الأمراض المعدية بجامعة «جون هوبكنز» الأميركية، إنه في حال تم التقيد بالتباعد الاجتماعي، وتفادي الاختلاط والاكتظاظ لأجل تطويق العدوى، ربما ينحسر الفيروس في غضون شهرين، أي حوالى شهر مايو (أيار)، وقبل الموعد الذي حدده الرئيس ترمب في يوليو (تموز)، وأغسطس (آب)، وتقول: «هذا هو أملي». وهنا تكمن صعوبة وتعقيد التكهن بتاريخ محدد لانحسار هذا الوباء الخطير، ويكمن أيضاً تقليص أمد فيروس كورونا، ثم الإجهاز عليه على قدر الجدية الذي يمارسه البشر في العزل والتباعد الاجتماعي.
دعونا نستأنس بما دونه العرب القدماء حول تاريخ الأوبئة، ومددها، وسبل الوقاية منها، من دون الاعتماد عليها عطفاً على محدودية علم الأوبئة في زمنهم، ومن هؤلاء المدائني وابن قتيبة وابن أبي الدنيا والحافظ بن حجر، يقول الداهية عمرو بن العاص متحدثاً عن وباء الطاعون، ويُقاس عليه بقية الأوبئة المعدية: «إن الطاعون مثل السيل من تنكب عنه، (أي تجنبه)، أخطأه، ومثل النار من أقام عليها، (أي بقي حولها)، أحرقته»، وهذا إجراء مبكر متحضر يتطابق تماماً مع الإجراءات المعاصرة في مواجهة فيروس كورونا، وقد اجتاحت العرب في القرون الأولى بعد البعثة النبوية عدد من أوبئة «الطاعون»، من أشهرها «طاعون عمواس» في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، و«طاعون الجارف»، و«طاعون الأشراف» لكثرة من مات فيه من الأشراف، و«طاعون عراب»، و«طاعون مسلم بن قتيبة»، وغيرها. الشاهد من ذكر هذه الأوبئة هو معدل مددها الذي يتراوح بين شهرين وخمسة أشهر، على الرغم من أن بعضها حصد عشرات الآلاف في يوم واحد، كما ذكر المؤرخون العرب، وهذا ما حمل من رصد تاريخها من المعاصرين على التفاؤل بأن فيروس كورونا لن يتجاوز الخمسة أشهر، ومع محبتنا للتفاؤل وتقديرنا للمتفائلين، إلا أن المؤكد أن لكل طاعون وفيروس بصمته، منها ما استطاع البشر مواجهته، ومنها ما مكث عقوداً لم تفلح المحاولات والمليارات التي رصدت لعلاجها، ولم تتضح بعد بصمة وهوية أخطر وباء اجتاح البشرية بعد وباء «الإنفلونزا الإسبانية» عام 1918.