علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

مصلحة التجار

ضرب فيروس كورونا كل الأنشطة الحياتية في العالم، بدءًا من أنشطة العمل انتهاء بأنشطة الرياضة. فحتى أهم دوريات العالم توقفت، وتبعتها دوريات العالم العربي الرياضية، خاصة دوريات رياضة كرة القدم. فقد توقف الدوري السعودي لكرة القدم الذي يعد أقوى دوري عربي، حسب كلام النقاد الرياضيين، ليتلوه خفض رواتب اللاعبين والطواقم الفنية والإدارية بواقع 50 في المائة، وأتوقع أن ذلك تم بالتفاهم مع اللاعبين. وقد أعلن نادي الهلال السعودي الخفض، وتلته أندية سعودية أخرى؛ كل ذلك بسبب الجائحة. بلا شك أن الحكومات الخليجية، بقيادة السعودية، جعلت نصب عينيها صحة الإنسان أولاً، وهذا يأتي في مقدمة الأولويات، ولكن الإنسان لا يعيش من دون الخبز، وأقصد بذلك أن يتكيف المجتمع الاقتصادي مع تداعيات الجائحة، ويبقى السؤال: كيف يكون ذلك مع فيروس لا يبقي ولا يذر، وأيضاً ليس له علاج أو لقاح، حتى الآن على الأقل؟!
أولاً، يجب أن يوطن رجال الأعمال أنفسهم على تقبل خفض هامش الربح لأن ذلك سيكون لمصلحتهم، حتى إن استدعى الأمر أن يصل التشغيل لنقطة التعادل، أي لا ربح ولا خسارة. بالطبع سيكون ذلك دون الإخلال بالتعليمات الطبية، مثل تعقيم عربات التسوق، ولبس القفازات، وإدخال عدد محدد من المتسوقين للمحل، حرصاً على تحقيق التباعد الاجتماعي.
فخفض هامش الربح أفضل من تحقيق الخسائر، خاصة في أنشطة مثل المقاولات، وأيضاً السلع الكمالية. ثانياً، محاولة خفض عدد القوى العاملة في يوم واحد، بحيث تعمل نصف القوة اليوم، وتعمل نصف القوة غداً، بدلاً من وقف الحال، وتحقيق الخسائر. العقل البشري لا يعدم طريقة للتعامل مع الجائحة، والتجار أشطر الناس في اختراع الأساليب للتعامل مع انتشار الفيروس، لأن ذلك يمس جيوبهم، وقد يتعدى الضرر هامش الربح، ليصل لرأس المال، لذلك من مصلحتهم محاولة التعامل مع الجائحة كما هي، للخروج من الأزمة بأقل الأضرار.
والصناعة الإعلامية واحدة من الصناعات المهمة التي توفر فرص عمل للناس، واستغرب أنها لم تتكيف مع الجائحة بشكلها الصحيح، مع قدرتها على ذلك، حيث إن تكيفها أتى جزئياً، فها نحن نرى صحفاً سعودية، مثل «الجزيرة» و«الوطن» و«عكاظ»، تتوقف ليوم واحد في الأسبوع بسبب الفيروس، فهل هذا كافٍ؟
في رأيي، إن هذا غير كافٍ، لسبب بسيط، وهو قدرة هذه الصحف على التحول للصحافة الإلكترونية، وتحقيق هدف الوصول للقارئ، مع تحقيق شرط التباعد الاجتماعي. فعند التحول للصحافة الإلكترونية، سنلغي المطبعة والتوزيع، وكذلك المقر، ليعمل كل منسوبي الصحيفة من منازلهم أو من الميدان، وهذا يحقق الشروط الصحية، ويضمن الانتشار للصحيفة، كما أنه سيجعلها منافسة للتلفزيون، بحكم أنها ستعمل أربعة وعشرين ساعة، مما يحقق لها السبق الصحافي الذي تسعى إليه.
ومما يميز الفيروس أنه سيجعل القائمين على الصحافة يتنازلون عن عنادهم في أن الصحافة الورقية لن تأفل، وسيعطيهم عذراً بأن تحولهم جاء بعذر قاهر، وليس بإرادتهم. هذه فرصة حقيقية يجب أن يستفيد منها رجال الأعمال لخدمة مصالحهم، بتحويل كل عمل تجاري إلى إلكتروني متى كان ذلك ممكناً. ففي الأزمات، تولد فرص جديدة لم نكن نشاهدها من قبل، والتاجر الحقيقي هو من يستفيد من الفرصة، وأنا أتوقع إن تم هذا التحول أنه سيستمر حتى بعد الجائحة، وذلك لسبب بسيط؛ إنه أقل كلفة وأكثر ربحاً، وأيضاً أكثر مهنية. فهل سيسرع الفيروس تحول التجارة التقليدية إلى إلكترونية، أم ستعود حليمة لعادتها القديمة، كما يقول المثل العربي؟