بعد من استمرار أعراض فيروس «كورونا المستجد» لديه، بات رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أول زعيم لدولة عظمى يتم إدخاله إلى المستشفى بسبب الإصابة بـ«كوفيد - 19»، وصحيح أن المرض هو أمر سيئ في جميع الأوقات ولكن لا يمكن أن تكون هناك لحظة أسوأ من تلك التي عاشها رئيس الوزراء البريطاني الذي بات مريضاً بعدما أصبح شخصية بارزة في حزبه وفي المملكة المتحدة، والذي حصل على تقييمات قوية خلال الأزمة الحالية، وحتى في هذه الحال من أن غياب جونسون كان لفترة قصيرة فقط، فإنه ربما أدى إلى تعقيد الاستجابة الوطنية للفيروس التاجي الذي أثار قائمة طويلة من الأسئلة حول مدى تأثيره على البلاد.
وقال وزير المجتمعات المحلية البريطاني روبرت جينيرك، لراديو هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، مؤخراً، إن دخول جونسون للمستشفى كان «أمراً روتينياً» وإن هذا القرار تم كإجراء وقائي، وصحيح أنه ليس واضحاً ما إذا كان لم يتم الكشف عن الوضع الصحي الحقيقي لجونسون، أو ما إذا كانت حالته قد تدهورت في الساعات التي تلت ذلك، ولكن بحلول مساء الاثنين، دخل رئيس الوزراء وحدة العناية المركزة، فكما يقول الأطباء منذ أسابيع، فإنه ليس هناك شيء مؤكد مع هذا الفيروس.
ويؤثر «كوفيد - 19» على الأفراد بشكل مختلف، حيث يمكن أن تتفاقم الأعراض التي قد تستمر لأكثر من أسبوع بسرعة أيضاً، مما يتعارض مع قدرة الرئة على الاستمرار ويتطلب تدخلاً طبياً مثل الأكسجين، أو في الحالات الشديدة لدعم جهاز التنفس الصناعي. والآن وقد تعافى جونسون بشكل الكامل بسبب قوة شخصيته وقوته الجسدية الواضحة، فإنه سيتعين عليه بالتأكيد التراجع عن العمل لبعض الوقت، وهذا يطرح سؤالاً: كيف سيتم التعامل مع الأزمة؟ الحقيقة هي أنه ليست هناك إجابة مباشرة عن هذا السؤال.
وبينما ينص الدستور الأميركي على أن يتولى نائب الرئيس مهام الرئيس إذا أصبح الأخير غير قادر على توليها، فإن الحكومة البريطانية ليس لديها مثل هذه المادة الدستورية، ولم يكن هناك لدى المملكة المتحدة مسؤول رسمي ثانٍ منذ أن تم منح نيك كليغ الدور غير العادي لنائب رئيس الوزراء في ائتلاف المحافظين الديمقراطيين الليبراليين في 2010.
وتؤسس فكرة «حكومة مجلس الوزراء» لأن يكون رئيس الوزراء هو الرجل الأول في البلاد، وقد قام جونسون، من خلال مستشاره الأقدم دومينيك كامينغز، بتوسيع هذا المبدأ أكثر من غيره حيث إنه يسيطر على إدارته بشكل مركزي، ولكن بصفته أكبر مستشار حكومي للملكة، فإنه يقوم بمهامه فقط ما دامت حكومته تدعمه، وهو أحد أسباب الشائعات المستمرة بالتآمر خلال فترة سلفه تيريزا ماي غير المستقرة،
ويحل العديد من المسؤولين المختلفين في الحكومة محل رئيس الوزراء خلال الأسئلة البرلمانية الأسبوعية إذا لم يكن متاحاً، وخلال هذه الأزمة قام العديد من بينهم وزير شؤون مجلس الوزراء مايكل غوف، ووزير الصحة مات هانكوك، بإجراء الإحاطات الصحافية اليومية بدلاً منه.
وعلى الرغم من عدم اليقين الدستوري، فقد كان تصرف جونسون به بعض البصيرة حينما قام بتعيين وزير الخارجية دومينيك راب في منصب وزير الدولة الأول لقيادة الاستجابة للأزمة في حال غياب رئيس الوزراء، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان راب، الذي لم يكن في الخطوط الأمامية للتعامل مع هذه الأزمة بنفس الطريقة التي عمل بها أعضاء آخرون في الحكومة، سيستمر في هذا الدور إذا استمر غياب جونسون، أو إلى متى سيستمر في الحصول على دعم زملائه، ولم يكن راب دائماً الأفضل من حيث الأداء السياسي، خصوصاً خلال فترة عمله السابق كوزير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويأتي كل هذا في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة البريطانية انتقادات متزايدة بسبب تأخر استجابتها للأزمة، وإخفاقها في تكثيف الاختبارات والنقص المستمر في معدات الحماية الشخصية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، فضلاً عن الأسئلة المطروحة حول مدى إمكانية الاستمرار في الإغلاق الكامل المكلِّف للدولة، وهناك بالفعل علامات على الصراعات الداخلية في الحكومة، وعلى تبادل اللوم والأسئلة حول استراتيجية الحكومة.
ويعد حل مشكلة إجراء الاختبارات للكشف عن الإصابات أمراً أساسياً في الجدل الدائر حول متى يمكن رفع إجراءات الإغلاق، وذلك لأن وجود المزيد من البيانات التشخيصية يعني وجود صورة أفضل عن الانتشار العام للمرض وعن مستويات المناعة في البلاد، ففي الأسبوع الماضي، وعد هانكوك بأن يتم اختبار 100 ألف بريطاني يومياً، ولكن لم يتم اختبار سوى نحو عُشر هذا الرقم، وتدّعي الحكومة أن المشكلة تتمثل في وجود نقص في عدد المسحات والكواشف، وذلك في الوقت الذي تُجري فيه ألمانيا نحو 50 ألف اختبار يومياً.
وهذه ليست المشكلة الخطيرة الوحيدة في البلاد، فلا تزال المملكة المتحدة تعاني من نقص مزعج في إمدادات معدات الوقاية الشخصية في العديد من المستشفيات والمراكز الطبية، ولم يصدر التوجيه بتعزيز هذه الإمدادات إلا في أواخر الأسبوع الماضي، بعد شكاوى الأطباء والجراحين حول ظروف العمل غير الآمنة، ويرتبط نقص معدات الوقاية الشخصية بشكل واضح، بالعدوى والوفاة بين العاملين في المجال الطبي في إيطاليا وأماكن أخرى.
ومع استمرار الأزمة، فهناك أيضاً سؤال أساسي حول استراتيجية الخروج من هذه الأزمة. وتقدر التكلفة الاقتصادية للإغلاق بـ2.4 مليار جنيه إسترليني (2.73 مليار دولار) في اليوم، وفي حين أن وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، قد حظي باستحسان الكثيرين للاستجابة من خلال برامج ضخمة للإنفاق العام والإغاثة، فإنه يُقال إن وزارة الخزانة قد باتت تشعر بعدم ارتياح بسبب احتمال الركود طويل الأمد للاقتصاد.
وفي هذه الأثناء، ظهرت الملكة إليزابيث الثانية البالغة من العمر 93 عاماً، ليلة الأحد الماضي، بخطاب نادر للبريطانيين، تحدثت فيه عن ذكريات الحرب العالمية الثانية مثل الانفصال والنضال، واستخدمت جملة من أغنية فيرا لين في زمن الحرب وهي «سنلتقي مرة أخرى»، وهي الرسالة التي وصلت إلينا جميعاً، والتي رأيناها في حضور الملكة ونبرتها، وذلك في الوقت الذي تكافح فيه حكومتها من أجل إيجاد موطئ قدم في هذه الأزمة، والذي نأمل فيه عودة رئيس هذه الحكومة البريطانية بوريس جونسون إلى حالته الصحية الجيدة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
انتقادات لاستراتيجية بريطانيا للخروج من الأزمة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة