د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

جدلية الوباء: صيني أم أميركي؟

الوباء صيني أم أميركي؟ سفسطائية تحاكي الجدل البيزنطي «الدجاجة أم البيضة جاءت أولاً»، هل هو نتيجة إهمال صيني أم بيولوجي أميركي؟ خصوصاً أنهما يشتركان في صمت من صرخ طالباً النجدة وحذر من تفشي الفيروس؛ الطبيب الصيني وينليانغ، الذي كان أول من حذر من انتشار الفيروس في الصين، والقبطان الأميركي بريت كروزير الذي أقاله ترمب، بسبب إعلانه إصابة بحارة أميركان على متن حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس تيودور روزفلت».
فمنذ يناير (كانون الثاني) والصينيون يصرّون على أن عدوى كورونا لا تنتقل من إنسان لآخر، فقط بالاتصال بحيوانات مصابة بالفيروس، وشاركتها للأسف منظمة الصحة العالمية في هذه التوجيهات التي تسببت في انتشار المرض بشكل مريع، ما يجعل السلطات الصينية ومعها منظمة الصحة العالمية في دائرة الشك، وقد يكون هذا مبرر الرئيس ترمب بوصف الفيروس بالصيني، وإن كان قد قلل من شأن شراسة الفيروس بادئ الأمر ووصفه بأنه مجرد إنفلونزا وزكام، متجاهلاً التحذيرات في يناير 2020، الأمر الذي كلفه التوقيع على تريليون دولار لاحقاً لمكافحة «كورونا» ولملمة ما سخر منه مسبقاً.
منظمة الصحة العالمية، منظمة دولية لها خبرة لا يمكن الاستهانة بها ولها تاريخ مشرف سابقاً، هو ما يجعل أي مشكك أو صاحب نظرية مؤامرة يتردد باتهامها أو جعلها ضمن شراكة فيها، ولكن قد تكون المنظمة الدولية ضحية معلومات مضللة قدمت لها، خصوصاً أن الجانب الصيني لم يكن شفافاً، ولا قدم معلومات صحيحة في بداية تفشي المرض نتيجة تخبط النظام الصيني في بداية الأزمة، حيث وجهت انتقادات دولية تلام فيها منظمة الصحة العالمية، رغم أن الصين هي الطرف المضلل.
ففي 30 ديسمبر (كانون الأول)، حذر الطبيب الصيني وينليانغ زملاءه في مستشفى ووهان من تفشي فيروس خطير في المستشفى، وطالبهم بأخذ الاحتياطات اللازمة. ولم تمض سوى 4 أيام على تحذير الطبيب الصيني حتى زاره مسؤولون من مكتب الأمن العام وطالبوه بالتوقيع على اتهام «بالإدلاء بتعليقات غير صحيحة» ترتب عليها «إخلال جسيم بالنظام العام»، مشفوعة بتحذير: «نحذرك بشكل رسمي: وإذا تماديت في عنادك، وتابعت هذا المسلك غير القانوني، فسوف تمثل أمام العدالة».
صحيح أن الصين اعتذرت للطبيب، لكنه اعتذار لم يقدم أي تفسير منطقي لتصرف السلطات الصينية لحالة إخفاء الحقيقة وإنكار حالة التفشي لفيروس شرس، سرعان ما أصبح وباء عالمياً، يجعلها شريكة في نشر الفيروس وتفشيه.
في الجانب الآخر من نظرية الشك والمؤامرة، يتساءل البعض عن السبب في إصابة 100 بحار على متن حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس تيودور روزفلت»، وهي التي كانت تبحر بعيداً عن أي تلامس أو التقاء بأي شخص من خارجها لشهور سبقت انتشار الفيروس، وازدادت الشكوك حيرة عندما تم إعفاء بريت كروزير قبطان حاملة الطائرات الأميركية بسبب إعلانه عن حالات الإصابة وطلبه المساعدة بقوله: «إنّ انتشار المرض مستمر ومتسارع ونحن لسنا في حالة حرب، ولا حاجة لأن يموت البحارة».
في ظل أنانية دولية شعارها «أنقذ نفسك بنفسك» أياً كان السبب والمسبب، وتفسيرات وتأويلات نظريات المؤامرة والحرب الكلامية بين الصين وأميركا، فإن المهم الآن هو مكافحة الجائحة عالمياً، والتخلص من حالة الانغلاق والأنانية الدولية.
ولكي نعبر بسلام لا بد من تكاتف دولي تقوده الأمم المتحدة عبر منظمة الصحة العالمية التي لا بد من إجراء إصلاحات لمنظومتها وتركيبتها لضمان عدم تكرار وقوعها في الخطأ أو انسياقها وراء التضليل، كما حدث في الحالة الصينية وتمرير معلومات خاطئة كانت قاتلة تسببت في موت المئات من الكوادر الطبية، ومنها إجراءات السلامة الشخصية (PPE) التي صدرت بشكل خاطئ عن المنظمة العالمية بادئ الأمر، ومنها تصريحها الخاطئ في يناير «بعدم انتقال المرض من إنسان لآخر، الأمر الذي ثبت عكسه بعد وفاة الآلاف من البشر، وأيضاً تقليل المنظمة من أهمية الكمامات في التعامل مع الحالات المصابة، الأمر الذي ثبت خطره لاحقاً.
بعيداً عن مناكفة الرئيس ترمب لمنظمة الصحة العالمية ورئيسها تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وهو أكاديمي إثيوبي وأول أفريقي يشغل منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، لا أحد لديه مصلحة في جعل المنظمة كبش فداء في أزمة جائحة «كورونا» باستثناء الرئيس ترمب.