كثر الحديث مؤخراً عن مسؤولية منظمة الصحة العالمية ودورها في التستر على تفاقم انتشار فيروس كورونا حول العالم.
وبدأت أصابع الاتهام توجه وبقوة صوب أهم التنفيذيين فيها تتهمهم بالتقصير والإهمال والمجاملة السياسية لصالح الصين، وهي المجاملة التي أضرت العالم بشكل لم يكن مسبوقا قط. بداية تأخرت الصين جدا في الإبلاغ عن سوء الوضع الصحي فيها، ومن ثم أنكرت رسميا رغم وجود العديد من الأخبار الموثوقة من الداخل الصيني التي كانت تؤكد ما يحصل فيها. وعندما بلغ الأمر هذا منظمة الصحة العالمية والتي بدورها طلبت من الصين أن تسمح لها بمعاينة الموضوع المتطور بنفسها على أرض الواقع، فرُفض طلبها أكثر من مرة والتزمت المنظمة الصمت ولم تبد أي اعتراض رسمي على موقف الصين المريب، وكان ذلك كله في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) من العالم المنصرم. واستمرت المنظمة في التباطؤ بإعلان فايروس كورونا وباء عالميا، ولم تقم بعمل ذلك إلا بعد وصول المرض إلى أكثر من 114 دولة حول العالم وحلول الحادي عشر من مارس (آذار) وفقدان كثير من الوقت الثمين. واستمرت سياسة مجاملة الصين العجيبة والغريبة من قبل المنظمة على حساب صحة العالم، حينما رفض كبار التنفيذيين في المنظمة الإشادة بالإجراءات الصحيحة والصارمة والناجحة والفعالة التي اتخذتها مبكرا «تايوان»، وأتت بنتائج ممتازة، وذلك خوفاً من أن تغضب الصين الحريصة على ألا يأتي أي ذكر لتايوان أبداً، وهي تبتز هذا الموقف بشتى الطرق والأساليب السياسية والاقتصادية.
كان العالم يبحث عن نموذج ليتبعه وكان النموذج التايواني أحد هذه النماذج المبكرة النادرة الناجحة؛ لأنها بلد ديمقراطي ودولة مؤسسات وهناك فصل في السلطات، أسست لنظام صحي فعال ومتطور وتراعى فيها دوما مبادئ احترام حقوق المواطن وشفافية المعلومات. ولم تكتف منظمة الصحة العالمية بحجب النموذج التايواني وإنكار وجوده، ولكنها صعّدت نبرة مجاملة الصين - عندما اتهمت تايوان بالعنصرية - إلى العالم، وهو اتهام خال من الصحة تماما. واستمرت منظمة الصحة العالمية في مجاملتها الفظة للصين عندما قامت الولايات المتحدة بالإيقاف الاحترازي الفوري لجميع الرحلات الجوية من وإلى الصين، قامت المنظمة بالتعليق رسميا على موقعها في الإنترنت بالقول إن «هذا يعتبر إجراءً متطرفاً وغير مفيد».
تسييس العمل في المنظمات الدولية الكبرى ليس بجديد، فحبر التحقيق لم يجف بعد بخصوص تجاوزات نظام الانقلاب في قطر داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، والتأثير الفرنسي على اليونيسكو وغير ذلك من الأمثلة الأخرى، ولكن هذه المرة تسييس الموقف داخل منظمة الصحة الدولية له فاتورة باهظة الثمن، يتحملها البشر حول العالم بأرواحهم وصحتهم وهذه مسألة لا يمكن المجاملة فيها. منظمة الصحة الدولية هي منظمة أممية أنشئت لصالح خدمة الشأن العام الصحي وليس لمجاملة دولة واحدة على حساب البقية كما حصل في أزمة كورونا الحالية. مطلوب وقفة أممية جادة وحاسمة لمعرفة ما يجري في منظمة الصحة العالمية، فصحة البشر لا تقل أهمية عن كرة القدم التي اتخذ اتحادها الدولي إجراءات رادعة. فيروس كورونا أصاب البشرية بأضرار غير مسبوقة، ومن هذه الأضرار المهمة فقدان الثقة والمصداقية والموضوعية في المنظمات الأممية التي من المفروض الاعتماد عليها في الأزمات الكبرى.
8:49 دقيقه
TT
كورونا... ورطة منظمة!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة