علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

حاتم والبخلاء

اشتهر حاتم الطائي بالكرم وأصبح مضرب المثل في الكرم، حتى أصبحت العرب تضرب به مثلاً بالكرم، فتقول للرجل الكريم: «أكرم من حاتم الطائي»، وقصص حاتم لا يمكن حصرها، ولكن واحدة من أشهر قصصه أن «قومه حلت بهم مجاعة فبدأت زوجته تعلل أطفالها ليناموا بعد أن أخذ بهم الجوع كل مأخذ، وبعد أن ناموا أتت جارته لتستنجد به، حيث إن أبناءها لم يناموا من الجوع، فما كان من حاتم إلا أن ذبح فرسه وأطعم جارته وأطعم الحي وبالطبع أطعم أبناءه وأطعم باقي الحي، وحسب رواية زوجته فإنه لم يأكل من لحم فرسه شيئاً ليبيت على الطوى، وبذلك استحق أن يكون رمز كرم العرب».
في المقابل كانت هناك قبيلة عربية اشتهر أفرادها بالبخل، وحينما اجتمع الحجيج في مكة قالوا لنمسح صفة البخل عنا ولنعلن للحجيج أننا سنسقيهم اللبن غداً، وحينما جاء الغد حضر أفراد القبيلة بقربهم ولكن كل فرد منهم تمنع أن يكون أول من يسقي الحجيج، فما كان من الحجاج إلا أن ينقضوا عليهم ويفتحوا قِربهم عنوة فلم يجدوا غير الماء. وحين سئل أفراد القبيلة عن ذلك قالوا إن كل فرد قال في نفسه إذا أحضر أفراد القبيلة اللبن في قربهم فإن قربة الماء ستضيع بينهم، فكان طلبهم للشرف دون تقديم ما يستحق الشرف عاراً عليهم ليترسخ بخلهم بين العرب ويكون فعلهم مسبة عليهم فيما كانوا ينشدون المديح.
ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي الأزمات تظهر معادن الرجال، وفي أزمة كورونا الحالية خرج علينا رجل الأعمال السعودي صبحي بترجي وأعلن صوتاً وصورة أنه سيعالج مصابي كورونا من الأطباء والممرضين وجميع الطاقم الطبي في مستشفيات السعودي - الألماني التي يمتلك هو حصة بها. ليأخذ دور القبيلة البخيلة وهو يعلم أن الحكومة السعودية تكفلت بعلاج المواطنين والمقيمين، بل ومخالفي نظام الإقامة على حسابها، سواء في مستشفى حكومي أو أهلي، فهل ستتخلى عمن كانوا في الصفوف الأمامية!! بالتأكيد لا، ولكنه أراد أن ينال شرفاً دون أن يقدم تضحية، وهذا كان أسوأ إعلان يقدمه صاحبنا عن نفسه ومستشفياته ليلتحق بأفراد القبيلة البخيلة بتشابه التصرف لا بالنسب.
في المقابل هناك من التحق بحاتم بالتصرف لا بالنسب، فهذا موظف سعودي بسيط يعمل في أسواق العثيم - أسواق تجزئة مواد عذائية - محاسباً، حينما أتاه شقيق سوداني عند ماكينة الدفع وأعلن أنه فقد محفظته ليدفع هذا الموظف البسيط عنه الحساب البالغ 290 ريالاً (77.3 دولار)، القصة لم تنتهِ بعد، فقد جمع شقيقا السوداني المبلغ في وقت لاحق وجاء ليعطيه المحاسب السعودي الذي رفض بدوره أن يأخذ النقود رغم ضعف مرتبه، ألا يستحق الاثنان اللحاق بحاتم!!
وفي القصيم ضربت المواطنة السعودية مريم الحمد المطيري أروع مثل حينما وزعت الكمامات والقفازات والمعقمات على رجال الأمن مجاناً لأنها أدركت أن الوطن يحتاج التكاتف وقت الأزمات، ولقد فعلت مريم أكثر من ذلك حينما وضعت أسطول سياراتها البسيط الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، تحت طلب أبناء المنطقة وبالمجان عند الحاجة، رغم أن دخلها لا يقارن بصاحب المستشفيات!!
وفي الجهة الأخرى، قامت شركة جرير - شركة مساهمة سعودية - بتأمين قفازات وكمامات ومعقمات لزبائنها ولم تسمح بدخول أكثر من 50 شخصاً لمعارضها الواسعة، وهي تعرف أن ما توزعه يزيد التكاليف عليها، وتحديد دخول الزبائن يقلل الدخل، ولكنها آثرت صحة المواطن على الربح.
وفي الأزمات دائماً هناك من يتصدر المشهد لأنه يفعل الخير لله لا للشهرة، ليعلن رجل الأعمال الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي تبرعه بمبلغ 170 مليون ريال (45.3 مليون دولار) لمواجهة الجائحة، ألا يستحق أولئك أن يلتحقوا بقافلة حاتم فيما يتخلف عنها الآخرون.