ذاكرتك.. هل هي طبيعية؟

النشاط الذهني والبدني وتقليل التوتر وتناول الغذاء الصحي تبطئ شيخوخة الدماغ

ذاكرتك.. هل هي طبيعية؟
TT

ذاكرتك.. هل هي طبيعية؟

ذاكرتك.. هل هي طبيعية؟

سُئل أحد الأطباء ذات مرة عن فقدان قدرات الذاكرة فقال: فقدان الذاكرة هو الأمر الثاني الأعلى حصولا عند التقدم في العمر، فقيل له: ما الأمر الأول، فرد قائلا: لقد نسيت بالفعل!
الشكوى من تدني قدرات الذاكرة أو من كسل نشاط الذاكرة ليس اليوم فقط هو شكوى كبار السن، بل يشكو منه حتى المراهقون والشباب ومتوسطو العمر. كما أن الشكوى من تدني قدرات التذكر والمعاناة من نسيان أشخاص أو أشياء أو أحداث ليس أيضا طوال الوقت، بل تجد بعضهم يشكو من هذه المشكلة في أيام دون أخرى وخلال فصول دون أخرى وأثناء الوجود في مدن بخلاف مدن أخرى.
وما يتذكره عموم الناس من اضطرابات الذاكرة هو مرض ألزهايمر، رغم أن كثيرا من أسباب تدني قدرات التذكر لا علاقة لها بألزهايمر.

* هفوات الذاكرة

* ومن الطبيعي أن تكون ثمة هفوات في قدرات الذاكرة، وكثير من الناس يُعاني من هذه المشكلة، ولكنها تبدو بوضوح لدى كبار السن حينما يُركز الأشخاص الموجودون حولهم في ملاحظتهم وملاحظة تصرفاتهم.
ويقول الخبراء الطبيون، وخاصة في مجال علوم الأمراض العصبية، إن فقدان الذاكرة بدرجة معتدلة هو أمر طبيعي تماما، وخاصة مع تقدمنا في العمر. وهذا صحيح، إذا كنت في بعض الأحيان تنسى الأشياء البسيطة، أو تنسى بعض الأحداث أو بعض الأشخاص، وأنت حينذاك ليس بالضرورة تعاني من الإصابة بمرض الزهايمر. هناك الكثير من الناس حولك يتجولون مثلك وهم ناسون أين وضعوا المفاتيح في بعض الأحيان، ويمكن ألا يتذكروا اسم شخص جديد التقوا به مؤخرا ولم يعلق الاسم في أذهانهم، هذا ما تقوله الدكتورة زولا ستيوارت، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية ايموري للطب في أتلانتا.
ومن الحقائق في شأن الذاكرة أن الوقت هو أسوأ عدو للذاكرة. والعلاقة بين التقدم في العمر وتدني فقدان الذاكرة يجب أن يُربط بداية بأن من الطبيعي ملاحظة تدني في تلك القدرات مع التقدم في العمر، هذه حقيقة علمية أخرى. ولكن بإزاء هذه الحقيقة العلمية هناك حقيقة واقعية وهي أن الكثيرين يربطون بين الأمرين وبين ألزهايمر.

* مراحل التذكر

* الذاكرة هي القدرة على تذكر الوقائع والأحداث التي حصلت في حياتنا، وهذا يحدث في 3 مراحل:
- المرحلة الأولى: مرحلة الترميز Encoding. عندما يأخذ الشخص المعلومات إلى داخله.
- المرحلة الثانية: مرحلة الدمج Consolidation. عندما يأخذ الدماغ المعلومات التي تم ترميزها ويقوم بإجراء العمليات اللازمة لتخزينها في مناطق معينة من الدماغ.
- المرحلة الثالثة Retrieval. مرحلة الاسترجاع. عندما يستذكر الشخص المعلومات المخزنة في الدماغ.
لكن التفريق بين فقدان الذاكرة الطبيعي وفقدان الذاكرة المرافق لمرض ألزهايمر يمكن أن يكون محيرا بالنسبة للشخص العادي، ونوعية فقدان الذاكرة التي تظهر في المواقف اليومية التي تتكرر يوما بعد يوم هي أيضا نوع من اضطراب الذاكرة في المراحل المبكرة من مرض ألزهايمر.
وتشير المصادر الطبية إلى أن كثيرا من الناس في مرحلة العشرينات والثلاثينات من أعمارهم ينسون بالفعل أسماء أشخاص وأوقات مواعيد.
الذاكرة عملية صعبة وأسوأ أعدائها الوقت، وفي الحقيقة فإنه وبعد تلقي معلومة تبدأ أشياء منها بالزوال مباشرة وأشياء أخرى تبقى لتتلاشى في أقل سرعة وذلك بناء على نوعية مادة المعلومة ومدى أهميتها بالنسبة لك ومستوى التوتر الذي تعايشه ومدى وجود عوامل تشتت ذهنك عن الاحتفاظ بها، إضافة إلى عوامل كثيرة أخرى تؤثر على حفظك للمعلومة وخزنها في المقام الأول.
ولذا ثمة فرق بين ما تعتقد أنه حصل في ذهنك بُعيد معايشة أحداث ما وبين التشوهات التي حصلت على معلومات الذاكرة تلك، وبالتالي هناك فرق بين ما تعتقد أنه حصل وبين ما حصل حقيقة. وتزداد فرص تشوهات الذاكرة المحفوظة لديك في ذهنك عن تلك التي وقعت في تلك الأوقات التي مرت عليك سابقا، وبالتالي نوعية المعلومات التي تسترجعها من خلال عملية الذاكرة قد تكون لا شيء على الإطلاق، أي النسيان.

* تدني الذاكرة

* ولذا هناك قائمة للأسباب التي قد تتسبب بتدني قدرات الذاكرة، غير ألزهايمر، ومنها الإجهاد والقلق، وأمراض الغدة الدرقية ومرض السكري وأمراض الرئة المزمنة وأمراض الكبد والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض المزمنة. كما أن الإدمان على الكحول ونقص فيتامين بي - 12 والشعور بالاكتئاب وتناول بعض أنواع الأدوية هي أيضا عوامل أخرى قد تسهم في ضعف الذاكرة.
ووفق مراجعة مراحل تكوين الذاكرة، أي الترميز والتخزين والاسترجاع، هناك عوامل عدة قد تؤدي إلى الخلل في إتمامها وبالتالي تكون المحصلة النهائية واحدة ومتشابهة وهي تدني قدرات الذاكرة. وعليه قد يكون لديك نظام جيد في الاسترجاع لكن عملية الترميز لم تتم بكفاءة كما في حالات الإجهاد أو القلق أو وجود المشتتات من ضجيج أو أحداث تشغل دماغ عن ترميز أشياء تحصل في ذات الوقت.
الخبراء الطبيون في مجالات العلوم العصبية يشيرون إلى أن أفضل طريقة لإبقاء الدماغ نشطا ويعمل بكفاءة وذا لياقة عالية هي بالاستمرار في استخدامه، و«استخدم دماغك أو تفقده» هي عبارة الدكتور غاري سمول في كتابه الذاكرة، ويُضيف: على الناس أن يُدركوا أن لديهم فرصا كبيرة للتحكم في أدمغتهم بمقدار أكبر مما يتوقعه الكثير منهم ذلك أن فقط ثلث الأمراض التي قد تتسبب بضعف الذاكرة هي ذات أسباب وراثية ما يعني أن ثمة مساحة واسعة لما يُمكن لأحدنا فعله للحفاظ على نشاط قدرات ذاكرة دماغه. وأنه كلما بكرنا في البدء بالاهتمام بأدمغتنا ولياقتها كلما ارتفعت فرص استفادتنا من أدمغتنا في التذكر وغير التذكر.

* عناصر صحية

* ولخص الدكتور سمول 4 عناصر مهمة لإبطاء عملية شيخوخة الدماغ، وهي النشاط الذهني والمجهود البدني وخفض مستوى الإجهاد والتوتر وتناول الغذاء الصحي. وعلى سبيل المثال، فإن الغذاء الصحي مهم لأمرين، الأول تقليل احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول، وكلها عوامل قد تُؤدي إلى حصول الجلطات الدماغية التي تُؤثر على قدرات الدماغ في أداء وظائفه والذاكرة من أهمها.
والأمر الثاني احتواء الأطعمة الصحية، وخاصة الخضار والفواكه الطازجة، على المواد المضادة للأكسدة، وهي التي تُبطل مفعول المواد السامة والعوامل البيئية الضارة بأنسجة الدماغ والشرايين وغيرها من أعضاء الجسم المهمة.
وهناك جانب مهم في تنشيط لياقة الدماغ وهو أن النسيان قد يكون علامة على أن الدماغ يتحمل فوق طاقته، وبالتالي لا قدرة لديه على إتمام عمليات التذكر ولا عمليات حفظ وتخزين المعلومات في الدماغ عند ترميزها. ولذا فإن أولى الخطوات آنذاك هي العمل على تقسيم الأعمال وتقسيم المهام وتوزيعها في الأيام والأوقات المختلفة خلال اليوم بحيث يُركز الإنسان في إنجاز أمر ثم ينتقل إلى آخر دون حصول حالة تعدد المهام في نفس الوقت. كما تُفيد هيكلة البيئة، أي استخدام التقويم والساعة والقوائم وتدوين الملاحظات وكتابة الأنشطة اليومية وغيرها من الوسائل التقليدية التي أثبتت كفاءة في الماضي لتحسين قدرات الذاكرة، والتي قل استخدامها بفعل وسائل التكنولوجيا في عالم التواصل.
عنايتنا بأدمغتنا وحفاظنا على لياقتها هي أمور ممكنة، وقوة الذاكرة أحد أهم فوائد ذلك والنسيان أحد أهم مظاهر الخلل في عدم التعامل مع الدماغ بطريقة تمكنه من القيام بأعماله الوظيفية.

* استشارية في الباطنية



الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال