ديفيد فيكلينغ
TT

الرهان على الصيف لإبطاء انتشار الوباء

من بين الأمور المجهولة فيما يتصل بانتشار فيروس «كورونا» الفتاك حول العالم، هو كيفية استجابته لدفء درجات حرارة الطقس.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد صرح خلال اجتماع لحكام الولايات الشهر الماضي، بأن الفيروس سوف يختفي بحلول شهر أبريل (نيسان) المقبل مع ارتفاع درجات الحرارة. ولقد أثار هذا التأكيد المفرط في الثقة الانتقادات من علماء الأوبئة والفيروسات، وغيرهم من المدققين في حقائق الأمور. فإن أغلب أمراض الجهاز التنفسي – مثل الإنفلونزا، وفيروسات الأنف العادية، وسلالات فيروس «كورونا» التي تسبب نزلات البرد الشديدة – يزداد انتشارها فعلاً في الطقس البارد، والظروف الجوية الجافة التي تميز شهور الشتاء. ولكن من المحال الإعراب على نحو اليقين عن سلوك فيروس «كورونا» بحلول أواخر الربيع وبداية فصل الصيف، وذلك لسبب واضح، وهو أن سلالة الفيروس الحالية لم يكن لها وجود حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.
وفي الأثناء ذاتها، بدأت بعض الأدلة في الظهور على أن درجات الحرارة والرطوبة لها تأثير فارق على مقدرة الفيروس في إلحاق الإصابة بأعداد كبيرة من الناس. ومن شأن ذلك أن يعد بارقة أمل للخدمات الصحية مع قدوم فصل الصيف عبر المناطق المعتدلة الشمالية، مما يؤيد القدرات على التخطيط لتجدد انتشار الفيروس بمجرد حلول فصل الشتاء المقبل.
لا يمكننا بطبيعة الحال محاكاة ظروف فصل الصيف في البلدان القابعة تحت رحمة الشتاء راهناً، ولكن يمكن القيام بما هو أقرب إلى ذلك، بالنظر إلى ما يحدث في الأماكن القريبة من الخطوط المدارية وخط الاستواء؛ حيث تكون الأحوال المناخية أكثر اعتدالاً ودفئاً.
كانت هناك بعض الأدلة الإيحائية في هذه المناطق لبعض الوقت. مثالاً بإيران التي تمثل نحو 90 في المائة من إجمالي الإصابات الإقليمية بفيروس «كورونا» في منطقة الشرق الأوسط، والتي تستقر على هضبة مرتفعة عن سطح البحر تتماثل فيها ظروف فصل الشتاء مع بعض بلدان الشمال الباردة. وفي الأثناء ذاتها، شهدت بعض بلدان جنوب شرقي آسيا، ذات الصلات التجارية والسياحية الوثيقة مع الصين، حالات أقل من الإصابة بصورة مثيرة للدهشة، حتى مع افتراض وجود أنظمة الصحة العامة الأقل تطوراً في هذه البلدان التي لم تتفشَّ فيها العدوى على نطاق كبير. ولقد شهدت كل من تايلاند، وإندونيسيا، والفلبين، حالات للإصابة، هي أقل من مثيلاتها في إستونيا، وسلوفينيا، وآيسلندا، على الرغم من أن تعداد السكان في البلدان الآسيوية المذكورة يزيد بمائة ضعف عن البلدان الأوروبية.
وتشير دراسة رُفعت على سيرفر «ميدركسيف» الطبي يوم الاثنين الماضي، إلى تسجيل حالات للإصابة مقابل الظروف المناخية المعينة التي تؤكد على وجود علاقة كبيرة بين انتشار الفيروس وبين الأحوال الجوية. ففي الظروف الجوية شديدة البرودة والأخرى مرتفعة الحرارة والرطوبة، ليس هناك وجود للفيروس تقريباً، كما خلص الباحثون من إسبانيا، والبرتغال، وفنلندا. الأمر الذي يعني أن سكان المناطق الاستوائية والمناطق القطبية من غير المرجح أن يشهدوا انتشاراً واسعاً لحالات الإصابة بالفيروس.
ومن شأن المناطق القاحلة أن تشهد ارتفاعاً في معدلات العدوى بالفيروس، غير أن المناطق الأكثر تضرراً سوف تكون المناطق المعتدلة والمناطق المرتفعة عن سطح البحر على مقربة من خط الاستواء. وقالت الدراسة نفسها إن الفترة الزمنية بين شهري يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) ينبغي أن تشهد تباطؤاً في معدلات الإصابة في أغلب أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، على الرغم من أن المناطق القريبة من القطب الشمالي في الدول الاسكندنافية وروسيا وكندا قد تشهد ظروفاً أسوأ مع دفء المناخ وارتفاع درجات الحرارة، بما يكفي لدعم انتشار العدوى على الصعيد المحلي.
وهناك دراسة أخرى سابقة الطباعة، أشرف عليها 4 باحثين من الصين، وجرى رفعها على سيرفر «آرزيف» مؤخراً، خلصت إلى نتيجة مماثلة بعد تحليل معدلات الإصابة بالفيروس في 100 مدينة صينية. ووفق هذا المعدل، والمعروف باسم «آر زيرو»، هو المُحدد الرئيسي لميل العدوى إلى الانتشار. وبالنسبة إلى فيروس «كورونا» الراهن، فإن معدل الانتشار الحالي يقدر بنحو 2.2 على ذلك المعيار، ومن شأن احتواء الفيروس ضمن معدل 1، ينبغي أن يكون كافياً – إن كان مستمراً – لتحويل الفيروس الخارج عن نطاق السيطرة حالياً إلى الانتشار الذي ينقرض تلقائياً مع مرور الوقت.
وخلص الباحثون الصينيون إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة يؤدي إلى الإقلال من معدل الانتشار «آر زيرو» بمقدار (0.0224). ومن شأن تلك النتيجة أن تعتبر مهمة بصفة خاصة في الأماكن ذات درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية، كما قال الباحثون. وفي حالة استمرار تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية في طوكيو العام الجاري، فإن معدل «آر زيرو» في المدينة، من المرجح أن يكون عند مستويات الانقراض أدنى من نقطة واحدة، على اعتبار ظروف فصل الصيف الاعتيادية.
ولا ينبغي لتلك النتائج أن تكون مفاجئة للغاية. فإن الآلية التي تتسبب في انتشار الإنفلونزا ونزلات البرد بوتيرة أسرع خلال فصل الشتاء ليست مفهومة للعلماء على نحو كامل. ويبدو أنها ترتبط بالطريقة التي تبقى بها جزيئات الفيروس في حالة نشاط على الأسطح الصلبة، مثل أزرار المصاعد ومقابض الأبواب لفترة أطول في الطقس المعتدل، وكذلك الطريقة التي يظهر بها لدى الناس قابلية أكبر للإصابة بالتهابات الحلق عند تنفس الهواء البارد أو الجاف، فضلاً عن ميلنا العام إلى التجمع في الظروف الدافئة؛ حيث يسهل انتشار الأمراض خلال فصل الشتاء. ومع ذلك، سوف يكون من الرائع فعلاً أن يتخذ فيروس «كورونا» الحالي سلوكاً مختلفاً عن سلالات الفيروس الأخرى، أو كل فيروس تنفسي شائع آخر.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»