زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

قمة G20 الاستثنائية... تسكين الفزع!

العالم قلق ومتوتر وأحوج ما يكون إلى الهدوء والاسترخاء. يريد أن يشعر بالأمان والاطمئنان. الشعوب استنزفها الذعر والخوف من المجهول والهلع من انتشار وباء «كورونا» ويفزعها توالي أرقام الوفيات يوماً تلو آخر ويعايشون حالة من الإرهاق النفسي المتواصل كونه أمراً لم يألفوه من قبل. وفي ظل هكذا مناخ وما يواجهه العالم من أزمة طاحنة ومتسارعة غير مسبوقة، كان من الطبيعي أن تعي السعودية، رئيسة مجموعة العشرين للعام الحالي، حجم الخطر المحدق بالعالم ودرء ما يترتب على هذه الأزمة الصحية من آثار مهولة إنسانياً واقتصادياً واجتماعياً، فبادرت ودعت إلى عقد قمة استثنائية - افتراضية لقادة مجموعة العشرين هذا الأسبوع انطلاقاً من موقعيتها وإدراكها بأهمية تكثيف الجهود الدولية المبذولة لمكافحة فيروس «كورونا».
السعودية تقول إن هذه الأزمة الصحية العالمية تتطلب استجابة عالمية، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ظل متفاعلاً وحاضراً بمستوى الحدث طيلة الأيام الماضية، مطالباً بتوحيد الجهود العالمية وتكثيفها لمواجهة هذا التحدي، بدليل الاتصالات التي انهالت عليه من الزعماء، كالرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورؤساء الوزراء الهندي والبريطاني والإسباني، إذ ثمنوا المبادرة السعودية بعقد القمة الاستثنائية.
الأمير محمد بن سلمان، الذي يقود ثورة ثقافية واجتماعية واقتصادية في بلاده لا تزال محل إعجاب ومتابعة الكثيرين، يدرك دور المملكة المفصلي في التعاطي مع هذه الأزمة، إذ أكدت بلاده في بيان لها أن «مجموعة العشرين ستعمل مع المنظمات الدولية بكل الطرق اللازمة لتخفيف آثار هذا الوباء وتحسين إطار التعاون والتنسيق للتحكم والحد من تفشي الفيروس، ووقاية الشعوب، وسيعمل قادة المجموعة على وضع سياسات متفق عليها لتخفيف آثاره عن كل الشعوب والاقتصاد العالمي». ما تقوم به السعودية يعكس رؤية عصرية مواكبة للمفهوم العولمي، وتقدم نفسها بصورة منصفة بعيدة كل البُعد عن الانفعال اللحظي أو البريق الإعلامي، بل تدرك حجمها وثقلها، وبالتالي التفاعل مع المستجدات العالمية والتحديات الاقتصادية والمساهمة في حل قضايا كوكبنا وهمومه.
نعم هناك خشية على الاقتصاد العالمي من مستقبل مجهول، والمطالبات بتدخل مجموعة العشرين لاحتواء تداعيات الوباء كون ذلك من صميم مهامها، وهي التي تسعى لعالم أكثر أماناً واستقراراً وعدالة. ومع ذلك لا يزال العالم تحت تأثير الصدمة ويتعرض يومياً لحزمة كبيرة من الأخبار والمعلومات والشائعات، وظل رهين إجراءات جديدة لا يعلم إلى متى ستسمر لكبح هذا الوباء الذي اعتبرته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكبر تحد منذ الحرب العالمية الثانية.
مع ظهور أي أزمة كبيرة تتعرض الرأسمالية كنظام لسيل من التساؤلات وكأنها تعيش مأزقاً حقيقياً بعدما تردى الوضع الاقتصادي العالمي، بدليل أزماتها المتوالية التي عصفت باقتصاديات دول ما أربك خططها المستقبلية، وهو ما دفع البعض ليتساءل عما إذا كانت الديمقراطية السياسية أخفقت فعلاً في تحقيق إصلاح اقتصادي للشعوب.
على أي حال ثمة قضايا تناقشها عادة مجموعة العشرين، لأنها تعمل على استتباب الاستقرار المالي الدولي، وتكريس التفاهم والحوار بين البلدان الصناعية والبلدان النامية بما يخدم التنمية المستدامة في العالم، ويُجنب اقتصادياته الكساد والتدهور، والاضطرابات المفاجئة، كالحالة المرعبة التي نعيشها اليوم، وإن كان الأهم في هذه القمة هو تخفيض منسوب القلق والخوف وتطمين الناس وإذهاب الخوف وبناء جسور الثقة وبث الروح المعنوية والسكينة والطمأنينة ومواجهة تفشي فيروس «كورونا» (COVID-19) وتداعياته، وحماية الاقتصاد العالمي.
حدوث اختلاف في وجهات النظر أمر متصور في مجموعة العشرين والحل لا يعني بالضرورة الافتراق ما بين أوروبا وأميركا أو الصين، أو الدفع باتجاه تشكيل نظام اقتصادي جديد، بل التمسك بالتعاون والحوار والتنسيق بين الدول الأعضاء لحل أزماته لأجل الحفاظ على نمو العالم وازدهاره. ليس جديداً أن دول مجموعة العشرين لم تلتزم تنفيذ التوصيات السابقة في قممها ولا تزال هوة العدالة الاجتماعية ما بين الشمال والجنوب قائمة ودعم الدول النامية لا يزال ضعيفاً، ما يثير الشكوك حول خلق مناخات ثقة لنظام الاقتصاد العالمي.
المهم اليوم أن يكون احتواء تداعيات «كورونا» هو أولى اولويات مجموعة العشرين، كونها منتدى ريادياً للتعاون الاقتصادي الدولي، والمأمول أن ترتقي القمة الطارئة لمستوى الظرف ودقة المرحلة بطرح المعالجات والحلول الممكنة والسياسات التي بإمكانها أن تخفف من آثار الإجراءات المرتبطة بمكافحة انتشار هذا الفيروس لأنه لا استقرار سياسياً بدون تنمية ونمو اقتصادي.
دعوة السعودية لهذا الاجتماع الطارئ يكشف عن تموضع لافت لها في الخريطة الدولية بدليل مشاركتها في صياغة القرارات الاقتصادية العالمية، وهو ما يضع على عاتقها مسؤوليات للحفاظ على ما وصلت إليه من مكانة وثقل اقتصادي وبما يعزز بقاءها في ساحة اللاعبين الكبار.