أنجاني تريفيدي
كاتبة من خدمة «بلومبرغ»
TT

«كورونا» قد يكون أسوأ من كارثة طبيعية

ورغم أنه قد يبدو من المغري إمعان النظر في الحالات السابقة لتفشي الأوبئة أو الإضرابات العمالية للتعرف على مدى سرعة إمكانية حدوث ذلك، فإنه في واقع الأمر تبدو حالة تعليق النشاطات الصناعية الناجمة عن فيروس «كورونا» أقرب لكونها كارثة طبيعية عن أي شيء آخر - بل ربما أسوأ.
اليوم، لا تزال النشاطات الصناعية الصينية معطلة بدرجة كبيرة. ويكشف أحد المؤشرات عن انحسار أكثر حدة، وإن كان أقصر أمداً، عما حدث في أثناء الأزمة المالية عام 2008. اليوم، تراجع استهلاك الفحم داخل ست محطات كبرى لتوليد الطاقة على نحو ملحوظ عن مستويات التشغيل العادية في مثل هذا الوقت من العام.
الملاحظ أن مواعيد التوصيل للموردين العالميين بدأت تطول بالفعل، خصوصاً في ألمانيا واليابان، تبعاً لما كشفته مؤسسة «غولدمان ساكس غروب إنك». أما الشركات التي عاودت نشاطها عبر شبكة الإنترنت فتكافح من أجل العودة للعمل بكامل طاقتها. وفي الوقت الذي جرى التخفيف من حدة بعض القيود الحكومية خلال الأيام الأخيرة، فإن إجراءات الحجر الصحي الصارمة داخل المراكز الصناعية الكبرى لا تزال تسبب خسائر فادحة.
لا تزال غالبية الموظفين في منازلهم، ويمكن للأوضاع، من الناحية النظرية، العودة إلى طبيعتها عندما يعود الـ300 مليون موظف مهاجر داخل الصين إلى وظائفهم. إلا أن هذا الأمر يبدو بعيداً اليوم. وتبعاً لما أعلنته مؤسسة «جيفريز فاينانشيال غروب إنك»، فإنه من المتوقع استئناف ما بين 20% و30% فقط. وبحلول الربع الثاني من العام، ستصل هذه النسبة إلى ما بين 60% و80% فقط.
من ناحية أخرى، فإنه على سبيل المثال، يؤدي التعطل الناجم عن الإضرابات العمالية إلى تعطيل الشحنات لبضعة أسابيع، بينما كانت الأضرار الاقتصادية الناجمة عن متلازمة الضائقة التنفسية الحادة عام 2003 قصيرة الأجل نسبياً. في المقابل نجد أن أحداثاً مثل الأعاصير والحرائق والفيضانات تترك تأثيرات أطول أمداً، ذلك أنها تسفر عن تدمير مصانع وطرق ومسارات للإمدادات اللوجيستية. وفي نهاية الأمر، تنفد مخزونات الشركات. وحتى فترة طويلة من انطلاق أعمال إعادة الإعمار، يبقى من الصعب إعادة وتيرة النشاط الاقتصادي إلى سابق عهده.
جدير بالذكر أنه تقع سنوياً مئات الكوارث الطبيعية عالمياً تهدد حياة ومصادر قوت الكثيرين. داخل الولايات المتحدة، لا تعيد نحو 40% من الشركات الصغيرة فتح أبوابها جراء هذه الكوارث، تبعاً لما أوضحته الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ. ومن الممكن أن تخلّف هذه الكوارث وراءها تداعيات مستمرة حادة ومتتابعة على الساحة العالمية. وكشفت دراسة أُجريت حول 41 كارثة أميركية كبرى، أن كل دولار واحد مفقود في المبيعات الموجّهة إلى جهات التوريد أسفر عن خسارة بقيمة 2.4 دولار لدى العملاء على الطرف الأدنى.
وعند النظر إلى الزلزال الذي ضرب اليابان في مارس 2011، أقوى زلزال جرى تسجيله، نجد أن جهود التصنيع تراجعت بمعدل 15 نقطة مئوية ذلك الشهر، ولم تتعافَ حتى أغسطس (آب). وقد شهد الإنتاج المحلي لشركات يابانية عاملة في مجال صناعة السيارات منها «تويوتا موتور كورب» و«هوندا موتور كورب»، تراجعاً في مارس بلغ 63%.
وعانت الشركات الأميركية المعتمدة بدرجة كبيرة على قطع الغيار اليابانية هي الأخرى. واستغرق الأمر جزءاً كبيراً من العام للعودة إلى مستويات الإنتاج السابقة لحدوث الزلزال. وتكشف الأرقام أن الإنتاج التصنيعي الأميركي تراجع بنسبة 1% في أبريل (نيسان) وظل منخفضاً على مدار قرابة ستة أشهر.
ومن المعتقد أن انتشار فيروس «كورونا» سيخلّف تداعيات سلبية أكبر. وبالنظر إلى الشبكة الضخمة من الموانئ والمراكز الصناعية التي تملكها وكذلك الدعم الذي يقدر بمليارات اليوان، تشكّل الصين المركز العصبي لجهود التصنيع العالمية. عام 2015، شكّلت الصين نحو ربع حصة القيمة المضافة من الواردات العالمية. ولا يتوافر عدد كاف من جهات العرض البديلة للأجزاء المحورية والأساسية التي تصنعها آلاف المصانع الصغيرة والمتوسطة داخل الصين. وحتى لو وفرت الصين المال النقدي، ستواجه الشركات عائقاً آخر يتمثل في الأعباء التنظيمية في استئناف عمل الشركات ونقص العمالة. وأوضحت دراسات أن شبكة التأثيرات المترتبة على مثل هذا الوضع تتفاقم ويطول أمدها.
وتكمن المشكلة في أن الصين لن تستعيد سابق نشاطها حتى تتمكن هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة من العودة للعمل. وبينما يتنوع معدل العودة عبر القطاعات، فإن مصنّعي ما يطلق عليها المدخلات المتوسطة والتي يجري شحنها عالمياً، يواجهون المشكلات الكبرى. وكشف مسح أُجري حول 2.240 من مثل هذه الشركات أن أكثر عن 90% من المشاركين أرجأوا استئناف نشاطهم التجاري. وحتى هذه اللحظة، لم تقرر نسبة كبيرة من هذه الشركات متى ستعيد فتح أبوابها.
حتى شركات مثل «تويوتا» و«هوندا» تناضل من أجل استئناف كامل نشاطها في الصين، بالنظر إلى اعتمادها على مصنعي قطع الغيار المحليين. وقد استأنفت هذه الشركات على نحو جزئي عملياتها ببعض المصانع خلال الأسبوع الماضي.
وكلما طال أمد إغلاق الشركات زادت احتمالية أن تبدأ سلاسل العرض في التفكك، مع نفاد المخزونات لدى الشركات. وحتى عندما تعاود هذه الشركات العمل، لن تتمكن المصانع من العودة إلى النقطة التي توقفت عندها. على سبيل المثال، فإنَّ الشراكة ما بين «فولكسفاغن إيه جي» و«إف إيه دبليو غروب» الصينية استأنفت العمل في أربعة مصانع الأسبوع الماضي، لكنها لن تعود للعمل بكامل طاقتها حتى مايو (أيار). ومن المتوقع أن تحاول الشركة تعويض الخسائر التي مُنيت بها بحلول نوفمبر (تشرين الثاني)، تبعاً لتصريحات نقلتها صحيفة «تشاينا ديلي» الحكومية عن مدير شؤون الإنتاج. ويبدو هذا في مجمله أمراً يبعث على التفاؤل.
وفي تلك الأثناء، لا يتوافر لدى المصنعين كثير من الخيارات، ففي مواجهة التكاليف والأسعار، تعتمد الشركات اليوم على سلاسل إمداد هزيلة. وتعتمد جميع التطورات التي تحققت بمجال التصنيع - مثل سياسة «التصنيع على الفور» الشهير التي تنهجها «تويوتا» - على حد أدنى من المخزون وفترات انتظار قصيرة. ويبدو أن هذا الوضع يمكن أن يأتي بنتائج عكسية اليوم. ومثلما أعلن رئيس «تويوتا» أكيو تويودا، فإن: «السيارات لديها قاعدة عريضة، وهناك أمور متنوعة مثل أوضاع جهات الإمداد بقطع الغيار، التي لا تعلم عنها شيئاً حتى تبدأ عجلة العمل في الدوران من جديد».

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»