وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

بعد اجتماع فيينا... «أوبك+» إلى أين؟

سواء انتهى اجتماع تحالف «أوبك+»، أمس، باتفاق أو لم ينتهِ، كان مصير هذا التحالف أن يواجه صعوبات في المستقبل وأن يختلف الجميع حول بعض القرارات.
إن طبيعة هذا التحالف تختلف عن طبيعة منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك)، لأن الدول من خارج «أوبك» في التحالف، مثل روسيا، ليست بلداناً نفطية بالكامل ولديها مصادر دخل أخرى، ولا تحتاج إلى سعر تعادل عالٍ لميزانياتها مثل السعر الذي تحتاج إليه دول «أوبك». حتى التوجهات السياسية مختلفة؛ فروسيا مثلاً تتنافس سياسياً مع الولايات المتحدة فيما لا تتنافس «أوبك» معها.
وللأسف لا توجد منظمة في العالم تستطيع أن تواجه أي صعوبات مثل منظمة «أوبك». إن «أوبك» استطاعت البقاء والتأثير في السوق حتى في لحظات صعبة مثل تلك التي شهدت حرباً بين إيران والعراق وغزواً عراقياً للكويت، وظلت هذه الدول تجتمع ولم تخرج دولة من المنظمة حتى وهي في حالة حرب مع عضو آخر.
وظلت «أوبك» في خلاف فترات طويلة وعانت ضعفاً جعل العديد يتنبأون بوفاتها بين الحين والآخر، ومع هذا عادت «أوبك» في كل مرة قوية ومتكاتفة.
أما التحالف؛ فهو ناشئ... وكان اجتماع أمس أول اختبار حقيقي له. أما أسباب الخلاف فهي واضحة، ولكن ما يهم الآن هو معرفة مستقبله، وهل ما حصل أمس مجرد اختبار أم بداية للنهاية؟ وهل يجب أن يفكر الجميع في الانسحاب التكتيكي منه؟
من ناحية الأسباب وراء عدم الاتفاق فهي كثيرة، ومن بينها أن أسعار النفط اللازمة لتعادل ميزانية روسيا تتناسب مع المستويات الحالية، وإمدادات روسيا للصين لم تتأثر حتى الآن، ويبدو أن روسيا أرادت من الأساس أن تحافظ على حصتها السوقية في آسيا في الوقت الذي قد تتراجع فيه حصص «أوبك» نظراً إلى الوضع الحالي مع «كورونا».
وأمس بعد انهيار المحادثات في فيينا حول زيادة تخفيض الإنتاج، بدأ الإعلام يتنبأ بانهيار التحالف أو حدوث شرخ بين السعودية وروسيا. وأنا لا أتوقع هذه السيناريوهات السوداء، وما أتوقعه هو أن «أوبك» ستستيقظ على واقع جديد وتحاول التكيف معه من دون فض التحالف.
وفي نظري أن روسيا لا تزال ترى أهمية في التحالف، ولا أتصور أن الروس يريدون إضعافه، ولكنهم يبحثون عن مصالحهم والتي تتلخص في أمرين في نظري: الحفاظ على الحصة السوقية، وعدم السماح للنفط الصخري في الولايات المتحدة بالنمو، لأن روسيا تريد أن تحافظ على حصتها على المدى البعيد؛ إذ إن السنوات القادمة هي سنوات تحدٍّ لنمو الطلب.
ويجب على «أوبك» الحفاظ على مصلحتها كذلك، ولا أتصور أن السعودية -قائد «أوبك» الفعلي- سوف تخفض إنتاجها بأكثر مما تخفضه حالياً تحت الاتفاق الجاري للتحالف، والذي سينتهي آخر مارس (آذار) الجاري. إن الحفاظ على المصلحة لا يعني التخلي عن التحالف؛ ولكنه يستوجب التفكير في أخذ قرارات بعيدة عنه.
ولكن ماذا لو هبط الطلب والأسعار بشكل أكبر؟ عندها ستحتاج بلدان «أوبك» لفعل شيء، والاختيار بين تخفيض الإنتاج وموازنة السوق لدعم الأسعار، أو اتباع طريق التحالف وجعل الأسعار تهبط.
ما يجعلني واثقاً من أن روسيا سوف تعود للتحالف هي المخاوف من هبوط الأسعار إلى مستوى 30 دولاراً للبرميل، وهو المستوى الذي تخشاه روسيا، وما جعلها في الأساس ترتمي في أحضان «أوبك» لإنشاء هذا التحالف. وسيعود الكل لـ«أوبك» إذا ما اشتد تفشي فيروس «كورونا»، ولهذا لا يوجد داعٍ للاستعجال.
أما دول «أوبك»، فأمامها عمل شاق هذا العام لضبط إنفاقها ورفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي وترشيده، وهناك دول في «أوبك» تحتاج لإصلاحات مالية أكبر، إضافة إلى مكافحة الفساد والعمل بشكل حقيقي على تنويع مصادر الدخل، والتوقف عما تفعله اليوم من استمرار في الهدر المالي.
المؤسف هو أن روسيا لم تضع أهداف «أوبك» في اعتباراتها، والمؤسف الآخر هو أن «أوبك» ليست أمامها حلول كثيرة سوى ضبط النفس ومواصلة الحفاظ على وحدة التحالف، لأنه انهياره سيكلّفها أكثر مما ستخسره ببقائه من دون تخفيضات إضافية.