مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

إردوغان وهرتزل وجهان لعملة واحدة

مما لا شك فيه أن أطماع الرئيس التركي إردوغان تعيد تاريخ أجداده العثمانيين والصفقات التي عقدوها لبيع الوطن المقدس في عهد السلطان الآغا والسلطان عبد الحميد الثاني، عندما أجرى المفاوضون الدبلوماسيون معاهدات الإحلال مع الدول والبيع والشراء، وكيف انتهى البيع لليهود، فالقصة أن البارون روتشيلد ونانا نرسيس وغيرهما من أثرياء اليهود في أوروبا كان يحدوهم الأمل والفكر الفاسد في تأسيس دولة يهودية في فلسطين مرة أخرى بقوة المال في بداية القرن الماضي.
لقد انحنى كل منهم نحو الآخر، وفتحوا فروعاً لهذه الشركات في الممالك، لتقوم هذه الفروع بامتلاك الأراضي، وخلال خمسة عشر عاماً تملكوا قسماً كبيراً من الأراضي في سوريا وفلسطين واتسعت أملاكهم، حيث تكون ملائمة لأطماع التجار الذين يقومون بالبحث في الأرياف عن الأهالي المسلمين والرعايا الصادقين للدولة فيشترون أراضيهم مستغلين فقرهم وضعف أحوالهم المالية، ويبيعونها لليهود بأرباح خيالية، أي أن الأتراك اشتروا من السكان المحليين وباعوها لليهود.
وخلال الخمسة عشر عاماً تلك أرسلت أوروبا أعداداً كبيرة من اليهود إلى فلسطين، فالأزمات تتابع وتركيا اليوم تطبق الدرس القديم على تاريخ جديد - التاريخ بحكم علاقتها الوطيدة بإسرائيل - وأطماع السلطة السياسية التركية في المنطقة بما أن أطماع السلطان العظيم تتسع لأخذ كل ما يملكه الفرد في فلسطين وسوريا وتجرده من حقوقه ونفيه خارج حدود كيانه ووطنه، وسعيه الحثيث بعد فشله الذريع بتدويل الأزمة، حيث حشد آلاف اللاجئين وأحضر لهم الشاحنات للزج بهم على حدود اليونان، ومقايضة أوروبا باللاجئين السوريين.
يبدو أن هذه الدولة التي تلطخت قديماً بالاستعمار وتخصصت في سرقة مقدرات الدول العربية وثرواتها، أضحت سياستها وأطماعها معروفة لدى الجميع، وقد تضمنت بياناتها السابقة كل الدروس القديمة فاشتد وطيس الحرب بينها وبين حلفائها في إدلب بقصف أهداف للحكومة السورية والروسية، وما من شك أن هؤلاء الشركاء اختلفوا على تقسيم الإرث الكبير.
ولن يتغير شيء في ظل احتدام المواجهة في شمال سوريا بما أنها دخلت المرحلة الأخرى من السيناريو، الذي يعد أشبه بصدام بين عدة أطراف، فذلك يولد دليلاً مزيفاً لا ينفك يضلله عن هلاكه وهلاك دولته عاجلاً أو آجلاً كما هلك أجداده، فكثير من المحاذير والمخاطر اشترك فيها عدة أطراف اضطر المذنبون منهم إلى اقتراف جرائم إنسانية للإفلات من العقاب على جرائمهم، وبرع أولئك القادة بوضع الأقنعة على سلطتهم حتى تكون أقل بشاعة، ضاعت من خلالهم حقوق الشعب المشروعة بدعوى الحفاظ عليها.
ولكن في الحقيقة الأطماع تتجدد، وتكتمل من حيث بدأت في عهد السلطان عبد الحميد من عمليات الاستيطان اليهودي المنظم، كما شهد التاريخ وعرض معلومات عن عشرات الجمعيات الاستيطانية والشركات والبنوك التي كانت تمول وترعى عمليات الاستيطان والتشغيل لليهود في فلسطين، إلى حرب سوريا اليوم.
إذن، هذا الانفتاح على الأزمات المتلاحقة في الدول العربية تحركه الأطماع الصهيونية والعثمانية والفارسية، ومن ثم يصعب تحقيق التلاحم بوصفة أمنية بعيدة لا يمكن بلوغها أو التفكير فيها، وحولها عقدة الاستعمار والاحتلال التي لا تدرك حقيقتها الكلية الفظة إلا عبر معايشتنا لها، فالمنطقة الآمنة في سوريا التي يبحث عنها الرئيس التركي بداية اضطرابات لحكمه وسيطرته على الجيش.
السؤال الآن هل يستطيع إردوغان سد الثغرات في اقتصاد بلاده المتدهور ووجود قتلى من قواته في سوريا وقتلى من ميليشياته ومرتزقته في ليبيا ومعارضة يخبرنا كمال كليجدار أوغلو عنها بأن الغرب استخدم الرئيس رجب طيب إردوغان «في إشعال النار في سوريا»، «ويستخدمه الآن لإشعال النار في ليبيا». وأضاف أن «دماء المسلمين تسال في الشرق الأوسط، ومن يعطيهم السلاح هم روسيا وأميركا، والآن أصبحنا (تركيا إردوغان) وكلاء في إراقة دماء المسلمين».
يتحدد هذا الموضوع إذن على أن المرجع والشاهد والحكم، يتلخص في قول هنري فورد: «إنني واثق من أن الحروب تتم ليستفيد طرف ما منها، وإن الطرف الذي استفاد دائماً هم اليهود العالميون، يبدأون الحروب بالدعاية التي يوجهونها من بلد ضد آخر، وقبل الحرب يتاجرون بالسلاح والذخيرة ويثرون من وراء تلك التجارة، وأثناء الحرب نفسها يثرون من القروض التي يقدمونها للطرفين المتحاربين وبعد الحرب يضعون أيديهم على جميع مصادر الثروة في البلاد».
وثمة تساؤل أورده كمال كليجدار أوغلو: «من يحدد سياستنا في تركيا؟ وزارة الخارجية: لا... الرئاسة؟ كلا... (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين هو من يحدد سياستنا إن كان في ليبيا أو في سوريا». فما عليكم أيها السادة إلا أن تأخذوا حذركم من أدوات يستخدمها الغرب للنيل من ثرواتكم وشعوبكم، وإردوغان والملالي هم أهم تلك الأدوات.