حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

القرية الصغيرة القلقة!

لا صوت يعلو هذه الأيام فوق صوت فيروس كورونا. سرعة انتشاره مبعث قلق عالمي عظيم، مع غموض شديد في تحديد أسباب انتشاره. كما أن نشأة هذا الفيروس يحيطها غموض أعظم. حالة غير مسبوقة من الهلع والخوف والقلق بسبب سرعة انتشار الفيروس. الإصابات يومياً بالعشرات ثم بالمئات في كل قارات العالم.
الأثر الاقتصادي عظيم، وتفاعل بورصات العالم سلبياً معه أكبر دليل. تبخرت 33 تريليون دولار من قيمة كبرى الشركات العالمية في يوم واحد، وتحديداً في ست ساعات، والهبوط الحاد والمتواصل لأسعار النفط بسبب «توقف» الصين اقتصادياً، وتبعات ذلك على الأسواق العالمية.
«غولدمان ساكس»، المؤسسة المصرفية الأميركية العملاقة أصدرت تقريراً مهماً تتوقع فيه أن فيروس كورونا سيخرج عن السيطرة، وسيدخل العالم في حالة ركود اقتصادي حاد للغاية، وهذا سيؤدي إلى خسارة الرئيس دونالد ترمب الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم.
وهذه المسألة تحديداً هي التي تنبه إليها الرئيس ترمب، فعقد مؤتمرين صحافيين، وسلم إدارة المسألة لنائبه مايك بنس، ورفع درجة حالة الطوارئ في البلاد للمرحلة الرابعة، وتعهد بتجاوز المدة التقليدية التي تحتاجها الإجراءات والموافقات لاعتماد المصل المضاد للفيروس، وتعهد بالعمل مع الديمقراطيين في مجلسي الكونغرس للحصول على الموازنات المالية لمواجهة التحدي الكبير.
هناك خوف سياسي يستشعره ترمب، فهو يحس بالتهديد الاقتصادي للفيروس، لأن الناخب الأميركي يصوت بجيبه وهمه الأول هو الشأن الاقتصادي، وذاكرته دائماً قصيرة الأجل.
المؤشرات تقول إن العالم مقدم على ثلاثة أشهر قاسية جداً، أسواق السفر والسياحة والاستيراد والتنقل مصابة بالهلع، وتشهد تسريحات وخسائر هائلة تهدد بقاء شركات السياحة والطيران والفنادق. وهناك آثار جانبية عظيمة تطال قطاع البنوك والشحن والسيارات وغيرها من القطاعات المهمة والمؤثرة جداً. النفط من المتوقع أن يستمر في الهبوط، وهناك تقديرات تتوقع وصول سعر البرميل إلى 35 دولاراً بسبب العرض الهزيل جداً في سوق شديدة الاضطراب. لن تستقر السوق إلا بعد استخدام المصل بشكل واسع وعريض، وهذا على أحسن تقدير لن يكون ممكناً قبل الربع الثالث من هذا العام.
العالم يركز أنظاره على أميركا التي تقول التقارير إن لديها مصلاً تجري تجربته ضد الفيروس (هناك أنباء أن سويسرا وإسرائيل لديهما مصل آخر جار التأكد من جدواه، والصين تسعى لتقديم مصل إلا أن محاولاتها فاشلة حتى الآن).
هناك شك عظيم في مصداقية الإحصاءات المقدمة من الصين وإيران عن عدد الإصابات والوفيات، وهذا طبعاً يصعب المسألة وقياس خطورتها، كذلك انعدام البروتوكولات الموحدة في العالم مع الإصابات هو الذي جعل اليابان تفشل في اختبار عزل ركاب السفينة السياحية، التي تفاقم عدد المصابين فيها بعد العزل. هناك تداعيات اقتصادية هائلة للغاية للفيروس، وكابوس سياسي لآخرين. المسألة إذن لم تعد مجرد حالة طبية تثير القلق والخوف.
العالم قرية صغيرة، هذه العبارة لها بعد جديد هذه الأيام. فالسعال والحرارة والعطاس بات مصدر قلق للعالم بأسره، بغض النظر عن المصدر في هذه القرية الصغيرة القلقة. إنها أيام صعبة.