مارك غيلبرت
TT

كاميرون بحاجة للحظة «ثاتشرية»

إذا كانت لدى الاتحاد الأوروبي رغبة صادقة في الاحتفاظ بعضوية المملكة المتحدة لديه، فإن على قيادات دول الاتحاد إبداء مزيد من التفهم تجاه المحنة السياسية الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.
الأسبوع الماضي، عمدت المفوضية الأوروبية لإعادة حساب إسهامات كل من الدول الأعضاء بالموازنة، وخلصت نهاية الأمر لمطالبة المملكة المتحدة بدفع 2.1 مليار يورو إضافية (2.7 مليار دولار) بحلول الأول من ديسمبر (كانون الأول). من ناحيتها، صورت التقارير الإخبارية الأوروبية الأمر وكأن بريطانيا تعاقب لتمتعها باقتصاد أقوى عن باقي الأعضاء. وأعرب كاميرون نفسه عن دهشته، حيال هذا الطلب، وكتب رسالة عبر موقع «تويتر» قال فيها «هذا أسلوب بشع للتصرف، ولن أدفع هذا المبلغ في 1 ديسمبر».
ويأتي هذا المطلب في وقت عسير بالنسبة لكاميرون وحزب المحافظين الذي يتبعه، حيث فاز حزب استقلال المملكة المتحدة - الذي يتزعم حملة المطالبة بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - أول مقعد برلماني له بعدما تحول عضو سابق بالمحافظين إليه وفاز في انتخابات خاصة في وقت سابق من الشهر. ويخوض منشق آخر من المحافظين لحساب حزب استقلال المملكة المتحدة الانتخابات في 20 نوفمبر (تشرين الثاني).
من جهته، أصدر كاميرون تعهدا مزدوجا بالدفع نحو إصلاح الاتحاد الأوروبي وعقد استفتاء حول استمرار عضوية بلاده بالاتحاد بحلول نهاية 2017. في ما بينهم، لدى المحافظين قناعة بأنهم يتمتعون بدعم جيرانهم بخصوص تقييد قدرة الاتحاد الأوروبي على الاعتداء على السيادة الوطنية. بيد أنه على الصعيد العلني، لا يخدم خطاب قادة دول الاتحاد الأوروبي موقف كاميرون. المعروف أن الناخبين بالمملكة المتحدة يعتبرون الهجرة أخطر القضايا التي تواجه البلاد. وعليه، ركز كاميرون جهوده على تغيير سياسة المرور الحر لمواطني الاتحاد الأوروبي بين الدول الأعضاء. إلا أن صحيفة «صنداي تايمز» نقلت مؤخرا عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قولها إنها تعارض فرض أي قيود على هذا الصعيد. وأكدت على أن ألمانيا لن تعبث بالمبادئ الجوهرية لحرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي. هنا، لحظة فاصلة خلال فترة رئاسة مارغريت ثاتشر للوزراء ربما تنير لنا الطريق للأمام، ففي عام 1979 وخلال اجتماع قمة في دبلن، طالبت ثاتشر بإعادة جزء من إسهامات بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. ورغم أن الصحف تناولت الخطاب تحت عنوان «أعيدوا لي أموالي!»، فإن كلمات ثاتشر في حقيقة الأمر كانت أكثر ذكاءً من ذلك، حيث أكدت أنها لا تطلب أموالا من الاتحاد الأوروبي، وإنما تطلب استعادة جزء من الأموال البريطانية لدى الاتحاد لأنها بحاجة إليها في الداخل في وقت تواجه فيه تقليصا للنفقات الداخلية. هذا الطلب باستعادة مليار جنيه إسترليني - قرابة 2.2 مليار دولار تبعًا لمعدل الصرف حينها، وهو ما يقل قليلا عما يطلبه الاتحاد من بريطانيا الآن - مكن ثاتشر من إرضاء التيار المناهض لأوروبا داخل حزبها، حتى في وقت أصبحت فيه بريطانيا عضوا أكثر نشاطا بالاتحاد. وفي أعقاب مؤتمر ثاتشر الصحافي، انهالت عليها إشادات صحافية غير مسبوقة.
وبالمثل، يحتاج كاميرون لأن يبدو في موقف المدافع عن بريطانيا، وعلى أنصار الاتحاد الأوروبي معاونته في ذلك لأن هذا سيخدم مصالحهم أيضا.
ومع تعادل نسب تأييد المحافظين والعمال خلال استطلاعات الرأي الحالية، من غير الواضح على الإطلاق نتيجة انتخابات مايو (أيار) 2015 التي ستجريها بريطانيا. إلا أنه حتى إذا فاز المحافظون، فإنهم حال إنهاكهم أنفسهم في مشاحنات داخلية حول أوروبا سيواجهون صعوبة أكبر لصياغة حجة مقنعة للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»