مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

هواجس شاب بقاعي

قال لي صديق لبناني وآخر عراقي، ينتميان، بالمعنى البيولوجي والسيسيولوجي، للمكوّن الشيعي، إن هبّة العراقيين واللبنانيين الشيعة، بهذا الزخم والشجاعة، ضد حكامهم، من زعماء الطوائف والمستثمرين بالتخويف الطائفي، لهو أمر جلل وفصل تاريخي نادر الحدوث، ويجب على بقية المحبين للعراقيين واللبنانيين اغتنام هذه اللحظة النادرة وتقديم الدعم الكامل لهؤلاء.
هو، أو هما، بصراحة كانا يشيران للسعودية، وإنه إذا كان المنتظر كل هذه السنين، ثورة داخلية عربية شيعية، فها هي قد أتت، فلم التقاعس عن غوثها وإعانتها بكل وضوح؟!
لم أستفصل عن كنه الإعانة ومعنى الإغاثة، لكن بقيت في الإطار العام للسؤال، وهو هل من الصواب أن تناصر السعودية، صراحة، هذه الجموع المقموعة، التي يتآمر عليها شياطين إيران وفجرة اليسار عرباً وعجماً؟!
في قرارة قلبي، أقول نعم يجب النصرة، وفي واجهة عقلي أتساءل: هل ظهور أي دور سعودي في ذلك، سيغذّي الدعايات الإيرانية واليسارية المتخيمنة، باتهام الشعبين العراقي واللبناني، الشيعة منهم خاصة، بأنهم عملاء للسعودي؟!
لكن الذي أدريه بيقين، أن تياراً حيوياً أشعل شرارة الحياة في شرايين الوعي لدى أبناء الطائفة الشيعية في العراق ولبنان.
طالعت هذا المثل، عن شاب لبناني من أهالي قرية العين البقاعية الشيعية، وهو مغنّي «راب» سمَّى نفسه بأبي ناصر الطفار، وكتب كلمات مؤثرة نشرت بمدونة «درج» عنونها بـ«شيعة السفارة: أني منّي فدا صرماية حدا».
والصرماية، كرّم الله الجميع، هي الحذاء بالمحكية الشامية.
يقول هذا الشاب اللبناني وهي يتحدث عن صدمته من سريان التعصب بين أبناء الحي الواحد بل الأسرة الواحدة، بين من هم أنصار لحزب الله «على العمياني»، وبين من له موقف ناقد ما.
ثم يقول: «رأيتُ مصطلح (شيعة السفارة) للمرّة الأولى عنواناً لملف نشرته جريدة (الأخبار) عام 2012. تضمّن العدد يومها اتهامات علنية بالأسماء لسياسيين وناشطين مدنيين ورجال دين شيعة معارضين لـ(حزب الله) وسياساته في لبنان بقبض الأموال من السفارة الأميركية».
«قيل لي إنّني (داعشي) مثلاً وآكل أكباد حين انتقدت تدخّل الحزب العسكري بوجه الشعب في سوريا، وحُسِبتُ من صهاينة الداخل حين رثيت ضحايا مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقيّة لدمشق».
وبعدما يسرد العديد من لحظات يقظة الوعي الوطني الحديث لدى الشباب اللبناني الشيعي من الجنوب للبقاع، يقول: «لحظات كهذه لن تُمحى من ذاكرتنا، ولا مشهديات تحطيم مكاتب النواب في الجنوب والدوس على صور الزعماء، ولو أحرقوا ألف خيمة وسحلوا ألف متظاهر».
يختم الشاب مغنّي الراب، من البقاع بهذه الجملة الكاشفة بالمحكية: «صار فيك تقول أني إلي، أني معي، أني مني صرماية حدا».