حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

النظرية الخطيرة!

إذا كان هناك جهاز أو مؤشر قياس لنظريات المؤامرة فمن المؤكد أن ما يحصل الآن قد وصل بالمؤشر إلى درجاته القصوى والأعلى.
أصبح لكل قصة «كبرى» تفسير موازٍ، يعتمد في تفاصيله على خيال خصب، وكله يحوم وبشكل مركَّز على نظرية المؤامرة. انتشار فيروس «كورونا» من الصين، رفض البعض تفسيره على أنه خلل في المنظومة الغذائية وسوء إدارة المنظومة الصحية في الصين، وفضّل تفسير ما يحدث بأنه نتاج تسريب «ممنهج» من أحد المختبرات البحثية في الصين، والذي يدار من الدول الغربية (وطبعاً هذا غطاء لاستخبارات هذه الدولة)، وتم تسريب هذا الفيروس لشغل الصين بنفسها، وضرب اقتصادها الذي تعطل بقوة نتيجة الشلل الذي أصاب مرافقها الإنتاجية، وكانت له تبعات وخيمة، ولم يكتوِ بنارها الاقتصاد الصيني فحسب، ولكن طال الكثير من اقتصاديات الدول المعتمدة على السوق وعلى الاقتصاد الصيني.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، كل هذه القصص تعرضت لتفسيرات «مؤامراتية» لشرح الأسباب وراء تلك الأحداث المثيرة والمؤثرة. واليوم يبدو أن مروجي نظريات المؤامرة وجدوا ضالّتهم في التقنية الحديثة للاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي العابرة للحدود في لمح البصر. فما يقدَّم على أنه الشرح «الحقيقي» للحدث ينتشر بشكل خيالي لدى شريحة هائلة وعظيمة من الناس في وقت قصير جداً، مما يمنحها الجدارة والمصداقية المهمة.
يقول الكاتب روب بروذرتون في كتابه الممتع «عقول شكاكة» إن الجميع لديه نظرية المؤامرة الجاهزة التي يؤمن بها، ولكن البعض له القدرة على تخبئتها أكثر من غيره. وهو تمكن من تفنيد الأسباب المتعلقة بعلم النفس وأحداث التاريخ، ويخلص بالقول إن هناك أعداداً هائلة من نظريات المؤامرة حولنا، منها ما أصبح بديلاً للحقيقة، وهناك مسؤولية أخلاقية تقتضي مراجعة بعض هذه المسلمات.
بينما تطرقت الكاتبة الأميركية آنا ميرلان، في كتابها اللافت «جمهورية الأكاذيب» إلى أن أميركا منذ تأسيسها وتاريخها بُني على تعلق التفسير التاريخي لأحداثها بنظريات المؤامرة منذ وصول الباخرة «ماي فلاور» إلى ميناء «بليموث روك» حاملة أوائل المهاجرين، وصولاً إلى اغتيال لنكولن وكينيدي، حتى انتخاب دونالد ترمب، والحروب بين تلك الأحداث كلها لها تفسيرات «مؤامراتية» نالت نصيبها من الانتشار بشكل هائل، حتى أصبحت أشبه بالبديل عن التاريخ المعروف.
وعربياً ومنذ القديم من الزمان لجأ كثير من المفسرين لأحداث التاريخ إلى أدوار مريبة لشخصيات غامضة بدءاً من عبد الله بن سبأ، الذي حيكت حوله الأساطير، والخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وصولاً إلى تفسير نهاية الخلافة العثمانية وصعود كمال أتاتورك، واغتيال الملك عبد الله الأول ملك الأردن، والملك فيصل، والرئيس السادات، وحرب 1967، ووصول حافظ الأسد وصدام حسين والقذافي للحكم، وأحداث ما يُعرف بالربيع العربي... كل هذه التفاصيل وهذه الأحداث كان لها نصيب الأسد في تفسير ما حدث، ومنها ما قيل إن وراء ما يحصل هي المنظمات السرية أو كما وصفها إعلامي عربي «السبب في كل هذا مجلس إدارة العالم السري».
ولعل أبلغ وصف مختصر مفيد لنظرية المؤامرة هو كما قيل «نظرية المؤامرة هي أكبر مؤامرة». المناخ الخصب لنظرية المؤامرة يقتضي الحذر من التسليم لها أكثر من أي وقت مضى.