وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

حان الوقت لنلتفت إلى الهيدروجين

أنا لست من أنصار السيارات الكهربائية، ليس لأنني لست من أنصار البيئة؛ بل على العكس أنا أتمنى أن نجد حلولا تساهم في تحسين البيئة، ولكن ضد هذا النوع من المركبات؛ لأن هناك مبالغات كبيرة ناتجة عن حملات ترويجية كبيرة له من قبل الشركات المنتجة للسيارات الكهربائية صورتها للعالم على أنها المنقذ للبيئة والصديق الأول لحماية كوكب الأرض.
الحقيقة هي أن السيارات الكهربائية سوف تساهم في زيادة الطلب على الكهرباء، وحتى اليوم لا يزال إنتاج الكهرباء في العالم يأتي من مصادر غير متجددة، مثل الفحم والغاز الطبيعي والسوائل البترولية، وزيادة هذه السيارات تقلص عوادم السيارات؛ ولكنها ليست بالضرورة تساهم في تقليص الكربون الناتج عن إنتاج الكهرباء.
لكن ما لفت فعلاً انتباهي ولم يلفت انتباه كثيرين هو الهيدروجين، ذلك العنصر المهم الذي يستخدم كذلك وقودا لنوع آخر من السيارات وهي السيارات الهيدروجينية.
لو فكرنا قليلاً فسنجد أن استخدام الهيدروجين أفضل بكثير في المملكة، حيث إن الهيدروجين يمكن استخدامه محلياً ويمكن تصديره للخارج مما يجعل المملكة مصدرا للطاقة النظيفة وليس فقط للنفط. وعلاوة على ذلك يمكن إنتاج الهيدروجين من مصادر مختلفة سواء من مصافي النفط أو من مصادر متجددة.
ولعل هذا الأمر ما دفع أرامكو السعودية للدخول في هذا المجال، بعد افتتاحها لأول محطة لتعبئة وقود الهيدروجين في وادي الظهران للتقنية بالتعاون مع شركة إير برودكتس، لنحو ست سيارات من نوعية تويوتا ميراي موجودة في المملكة بحوزة أرامكو السعودية.
وهناك دولة مهتمة جداً بالهيدروجين كمستقبل لها وهي اليابان. وفي العام الماضي خلال رئاستها لمجموعة العشرين طلبت اليابان من وكالة الطاقة الدولية إصدار تقرير عن مستقبل الهيدروجين، والذي خرج للنور في شهر يونيو (حزيران)، وخلص إلى أن المستقبل مشرق للهيدروجين حيث نما الطلب عليه بنحو ثلاثة أضعاف منذ عام 1975 إلى 2018.
لكن هناك تحد كبير يواجه إنتاج الهيدروجين، وهو أن غالبية إنتاج هذا الوقود عالمياً يأتي من وقود أحفوري، حيث يذهب نحو 6 في المائة من الغاز الطبيعي المنتج عالمياً كل سنة لإنتاج الهيدروجين، فيما يذهب 2 في المائة من الفحم لإنتاجه. والسبب في هذا هو أن الصين تستخدم الفحم في إنتاجه. ونتيجة لهذا فإن كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن إنتاج الهيدروجين تعادل إجمالي الانبعاثات الكربونية من المملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعتين، وهنا يكمن التحدي.
إن التحدي الذي يواجه مستقبل الهيدروجين هو إنتاجه من مصادر متجددة، ولكن مع ذلك تظل السيارات الكهربائية في نظري مهددة للبيئة أكثر نظراً لأنها تساهم مباشرة في زيادة الطلب على الكهرباء وبالتالي زيادة الانبعاثات، بينما يأتي غالبية الهيدروجين من الغاز الطبيعي وهو وقود صديق للبيئة.
والتجربة اليابانية في الهيدروجين تستحق الوقوف عندها، حيث إن الحكومة اليابانية وضعت لنفسها هدفاً لاستيراد أول شحنة تجارية من الأمونيا الخالية من الكربون بمنتصف هذا العام. ونظراً لصعوبة ضغط وشحن الهيدروجين فإن البديل هنا هو شحنه في صورة أمونيا، ثم يتم معالجتها صناعية لاستخراج الهيدروجين.
ولهذا تنشط اليابان بشدة في مجال الهيدروجين، ولا غرابة أن تكون قائدا عالميا قريبا في هذا المجال. وهذا يفتح الطريق للمملكة للدخول كشريك مهم لليابان، حيث إن المملكة هي تاسع أكبر منتج للأمونيا على مستوى العالم، وتصديرها للأمونيا الخالية من الكربون سيجعلها مصدراً للطاقة النظيفة.
وأعود هنا للحديث عن السيارات الكهربائية والهيدروجينية، فبحسب ما أسمعه من الخبراء في هذا المجال فإن سيارات الهيدروجين أكثر أماناً من السيارات الكهربائية؛ لأن بطارية الأخيرة المعتمدة على الليثيوم مصدر ملوث للبيئة وتساعد في الاشتعال بصورة أسوأ من السيارات الهيدروجينية، ولهذا أنا صديق الهيدروجين، خاصة أن هناك محطات تعبئة للهيدروجين في المملكة سبقت محطات الشحن الكهربائية.
ومع رئاسة المملكة لمجموعة العشرين هذا العام أتمنى أن تتواصل الجهود للبناء على ما بدأته اليابان لنصل بهذا الوقود إلى مستوى عالمي يليق به، ويبرز حقيقته بعيداً عن الضوضاء التي تصدرها السيارات الكهربائية.