د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

المدير «الغيور»!

كنا نناقش ذات يوم كأعضاء مجلس إدارة في إحدى الشركات الخليجية بند الأرباح، وقبيل البدء في بند مكافآت نهاية العام (البونص) سارع الرئيس التنفيذي إلى الاستئذان من رئيس المجلس بتقديم مقترح كان يراه مهماً لمصلحة الشركة. فقال ما خلاصته: بما أن الأرباح ليست بالحجم المأمول فإنني أقترح ألا يقر المجلس الموقر مكافأة لي كما جرت العادة لأنني أتنازل عنها لصالح الموظفين الذين وعدتهم بمكافآت مجزية. فهو آثر الموظفين على نفسه. ثم اتخذ المجلس قراراً في مصلحة الطرفين.
هذا المسؤول لم يكن أنانياً فكان المجلس في المقابل كريماً معه، وهو مبدأ يسمى في فن الإقناع رد الجميل أو المعاملة بالمثل reciprocity، وإن كان تصرف مدير الشركة عفوياً.
وشهدت على النقيض حالات يضرب فيها المديرون بعرض الحائط مطالبات مرؤوسيهم المشروعة بنيل حوافز مادية. فمنهم من يكذب بوقاحة متذرعاً بعدم وجود ميزانية ثم تجده يستأثر بتلك الامتيازات المالية، والرحلات الخارجية، والدورات لنفسه ولثلة المقربين الذين يطبلون له!
والأسوأ حينما تجد من تتحرك سواكن «غاريته» لما يرى تفوق مرؤوسيه وإشادة الناس بهم. وهذا دليل ضعفه، فالأصل أن المدير القوي لا «يغار» من تألق مرؤوسيه بل يجب أن يفاخر بهم. ولولا مجاديف المرؤوسين وتفانيهم لما أبحر القارب بمدير.
وأفضل ترمومتر لقياس مدى ثقة المدير بنفسه يتمثل في قياس شعوره عند تألق العاملين معه. فإذا ما خالجته مشاعر الغيرة والرغبة في «وأد» شيء من إنجازات مرؤوسيه كان ذلك دليلاً صارخاً على إصابته «بداء الغيرة الإدارية» السلبية. وهي مشكلة تنم عن ضعف المدير وقلة فعاليته.
ولهذا فإن ميدان العمل الحقيقي هو الذي يولد فيه نجاح فرد ما طاقة هائلة لدى آخر للمنافسة ولفت الأنظار إليه من جديد. وما أن تبدأ حرب «تكسير المجاديف» يصبح ذلك مؤشراً على إفلاس أصحابها. فالبعض يعتقد أن أسرع طريقة لمنافسة خصمه تكمن بتحطيمه.
من الطبيعي أن تتأثر بنجاحات نظرائك المديرين غير أنه من المعيب الشعور بالغيرة المقرونة بمشاعر الرغبة في تسطيح إنجازات من يسندونك في الإدارة من المرؤوسين.