مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

خيارات إيران الانتحارية

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حديثه للصحافيين، قبيل اجتماعه الأسبوع الماضي بقادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في لندن، إن «إيران تقتل ربما الآلاف والآلاف من الناس الآن ونحن نتكلم»، مضيفاً أنه و«لهذا السبب قاموا بقطع الاتصال بالإنترنت حتى لا يتمكن الناس من رؤية ما يجري، والآلاف من الأشخاص يتعرضون للقتل في إيران في الوقت الحالي. وبصراحة، لا أعرف كيف تصلون إلى هناك، ولا أعرف كيف تقومون بعملكم، ولكن يجب على الصحافة أن تدخل إلى هناك وترى ما يجري».
ووصف الرئيس الأميركي ما يقوم به نظام طهران بأنه قمع للاحتجاجات وقتل للمتظاهرين.
على مرّ عقود من الزمن والعاصمة الإيرانية طهران والمدن الإيرانية، تشهد مظاهرات ضخمة منذ قيام الثورة في 1979، احتجاجاً على قرارات حكومية بزيادة أسعار المحروقات، وتقلبات سعر العملة، بسبب ضعف الاقتصاد والصعوبات المالية التي تواجهها البنوك المحلية والطلب الكثيف على الدولار من الإيرانيين الذين يخشون انكماش صادرات البلاد من النفط، وسلع أخرى... تجددت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي التاريخي المبرم في عام 2015 وإعادة فرض عقوبات أميركية على طهران.
منذ ذلك التاريخ أدرك العالم أن قرارات إيران تأخذ المجتمع للدمار، ولجأ السياسيون فيها إلى فرض السيناريوهات المطلوبة للتضليل، واستمر مسلسل التمثيل والكذب لسنوات طويلة تم خلالها تدشين مصطلح «اللعبة» في السياسة الدولية، ودخول ساحة الأزمات الدولية، وإيهام الشعب بالعداء لإيران وتفضيل الدول مصالحها على مصلحة البلاد، وتجييش الشارع ضد العرب والغرب.
والسؤال الآن هو: لماذا لم يكتشف الشعب الإيراني مزاعم حكومته وكذبها إلا بعد فترة زمنية طويلة؟ هم بارعون في صرف الأنظار عن نشاطاتهم الإرهابية، ولكن غيوماً كثيرة تجمعت في سماء الشعب نتيجة هذه السياسة الشيطانية التي لا تخدم إلا أهدافهم، وتهريب الأسلحة إلى ميليشيات «حزب الله» في لبنان، وإلى ميليشياتها في العراق، وللحوثيين في اليمن، وتصدير الثورة لدول المنطقة.
في السنوات الأخيرة بلغت العدائية الإيرانية انتهاكات صريحة لسيادة الدول، وبلغت حد التخريب، ولكن اليوم تشعر بأنها مهددة من داخلها، فمهما قتلت واعتقلت الآلاف من المتظاهرين، فلن تستطيع إعادة الثقة أو إخماد ثورة الشعب والتغيير الذي يطلبه، وهذه تعدّ من بين الأمور الحساسة والخطيرة التي تشكل محط اهتمام يؤخذ به.
نحن نعلم تماماً أن إيران ترمي بثقلها لإخماد المظاهرات والثورات في لبنان والعراق بالقتل والتنكيل؛ وتحديداً في العراق، والتحذيرات التي أطلقتها أميركا تدل على أن إيران خُنقت وأصبحت تبحث عن تفجير الأوضاع بالمنطقة والانتقال إلى حروب تربك بها حراك شعبها داخلياً قبل أي شيء آخر، لأن الخطر بداخلها بات أكبر.
على الجانب الآخر، يفسر الساسة أساليب إيران بالمخادعة، عطفاً على اعتراف قائد إيراني في الأمن الداخلي يدعى العميد حسن كرمي بأن 7500 جندي يرسلهم إلى العراق بذريعة الحفاظ على أمن الزائرين في مواسم زيارة الأربعين، وهم في الحقيقة للسيطرة على الاحتجاجات التي يشهدها العراق، مما أثار حفيظة مراقبين أبدوا مخاوفهم من قيام طهران بقمع المظاهرات التي راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى حتى الآن.
هذه الصورة الآخذة في التكشف تؤكد أن ثورة الجياع ومحاربة الفساد مستمرة، ولن تتوقف مهما حاولت إيران قمعها، فليس أمام نظام طهران سوى خيارات الانتحار بإشعال الحروب، مهما كان حجم الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، وقتل المتظاهرين بالرصاص قرب مواقع الاحتجاج في العاصمة العراقية بغداد بعد العقوبات الأميركية، ووجود قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، و«الحرس الثوري»، في بغداد، فوضى وكارثة تتعاظم يوماً تلو آخر تهدد سيادة العراق، ولن يوقف هذا التصعيد الخطير إلا الحسم السريع.