علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

يا ليل يا عين.. عين العرب

ربما يكون الإنسان وغْدا سيئ السلوك، غير أنه يطلب النبل من حكومته وحكامه. بل يشعر بالضياع عندما يكتشف أن حكامه ليسوا نبلاء بالدرجة التي كان يظنها. هذا هو بالضبط السبب في نزول الناس إلى الشارع ثائرين ضد حكامهم. وأنا أعتقد أن هذا السلوك نابع من علاقة الطفل القديمة بالسلطة الوالدية. هو يؤمن بأن أباه هو أقوى الآباء، وأن له أخلاقيات الفرسان وطهارة الأنبياء. وبعد سنوات طويلة، يتمكن هو من صنع سلطته الوالدية، إنها السلطة التي تحكمه. أنا أعتقد أن الشباب نزل إلى الشارع في تركيا بعد أن شعر بإحساس يقرب من العار بأن حكومته لم تسلك سلوكا نبيلا في موقف إنساني يتطلب النبل وحده وليس إجراء الحسابات السياسية. هناك مجموعة من المتوحشين تحارب مجموعة من البشر، المتوقع هنا من أي مخلوق قادر هو التدخل لمنع مذبحة على وشك الحدوث. هذا هو ما توقعه ويتوقعه المواطن في تركيا من حكومة بلاده.
يقول السيد إردوغان إن أحدا لن يرغمه على تأييد سوريا، وهل طلب منك أحد يا سيدي تأييد الحكومة السورية؟! هل طلب منك أحد أن تفقد عداءك معها؟! وما صلة سوريا أو أي بلد آخر بما يحدث في عين العرب؟! هل تتصور أن الأتراك الذين يثورون ضدك في الشارع، يطلبون منك التدخل لأنهم مؤيدون لسوريا؟ لم يطلب منك أحد أن تتدخل بقواتك المسلحة، فهذا أمر من حقك، المطلوب فقط هو أن تسمح بوصول السلاح وللمقاومين الأكراد بالمرور لمشاركة زملائهم في الدفاع عن أرواحهم. المطلوب فقط هو أن تنسى عداءك للأكراد وللعرب - ولو لدقائق قليلة - تكفي لاتخاذ القرار بمرور السلاح والمقاومين.
أنت تضع نفسك - يا سيدي الرئيس - في موقف يدفعنا إلى الظن بأنك ملتزم أمام «داعش» بألا تقدم تركيا على ما يزعجها، بالتأكيد هي تريد المضي قدما في ذبح الناس في جو أكثر هدوءا وهو ما سيتحقق بحياد تركيا. نحن نظن ذلك، ولقد اكتفيت باستخدام كلمة الظن لأن بعضه إثم، وأنا أفضل أن أكون آثما في ظني هذا. لا أريد أن أعتقد - ولو للحظة واحدة - أن موقفك هذا هو نتيجة استحقاق التزمت به عند تفاوضك مع «داعش» بشأن الإفراج عن الأسرى الأتراك.
أم أن اسم المدينة ببعده الرمزي جعلك تعتقد أن العرب عندما يفقدونها سوف يفقدون أبصارهم؟ أم أنك ترحب بأن تكون جارا لجماعة من القتلة.. لا أعتقد أن الشعب التركي يرحب بذلك. هل تتصور أنه يمكن العيش في سلام عندما يكون جيرانك من القتلة؟ حتى الآن، لا توجد طريقة تمنع العقارب من لدغ الآخرين، كما لا توجد طريقة لإرغام فيروس الـ«إيبولا» على عدم ممارسة قتل الناس. لا أحد يستطيع منع «داعش» من ممارسة الشيء الوحيد الذي يتقنونه وهو ذبح الناس ونهب أموالهم واغتصابهم.. كل من يحترم نفسه على وجه هذه الأرض، عليه أن يحارب هؤلاء المتوحشين إلى أن يتم القضاء عليهم.