حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

دولة إلا خمسة!

الأكراد أو الكرد، كما يسمون أنفسهم، مجموعة إثنية عرقية قديمة وعريقة وكبيرة، تسكن مناطق مختلفة من دول الشرق الأوسط، ولعل أهم مناطق وجود الأكراد كل من تركيا وسوريا والعراق ولبنان والأردن وإيران بشكل رئيس، مع عدم إغفال وجود أعداد لافتة منهم في ديار المهجر المختلفة حول العالم.
الأكراد يشعرون بغبن عظيم وظلم هائل، ولديهم قناعة أنهم كانوا ضحية غدر وخداع من المجتمع الدولي الذي وعدهم «بدولتهم» عقب سقوط الخلافة العثمانية، الذي جاء بعده رسم الخريطة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وأسفر ذلك عن وجود دول «جديدة» لم تكن موجودة بشكل رسمي من قبل، مثل لبنان والأردن وإسرائيل. وكان الأكراد يعتقدون يقينا أن لهم حصة من تلك التشكيلة الجديدة، ولكن في اللحظات الأخيرة غيرت القوى المؤثرة حينها رأيها، وتراجعت عن هذا القرار، وتحولت بعد ذلك مطالبة الأكراد بوطن إلى حراك حزبي وسياسي سلمي في بعض الأحيان، وغير سلمي في أحيان أخرى.
كان هذا الحراك واضحا في الدول التي تعصبت لعرقيتها وإثنيتها، وأحدثت تمييزا واضحا ضد الغير، والمقصود هنا نظاما البعث في العراق وسوريا اللذان ادعيا العروبة ومارسا التمييز بحق كل من هو غير عربي، وكذلك الأمر حصل في تركيا الجديدة التي تعصبت وبشدة لحملة «تتريك» الهوية للدولة، وبالتالي كان هناك تمييز ضد من هو غير تركي.
حصل ظلم جديد للأكراد بإحساسهم أنهم يعاملون في «بلادهم» كمواطنين من الدرجة الثانية. ومع ذلك استمر الأكراد في مطالبتهم «بحقوقهم» كمواطنين في هذه الدول وعدم «التمييز» ضدهم، إلا أن حلم الاستقلال بدولتهم كان لا يزال الدافع الأساسي لكل الخطوات التي كانوا يقومون بها، وخصوصا في ظل وجود قوي لهم كسكان في بعض المناطق الجغرافية، مثل السليمانية وكركوك في العراق، والقامشلي وعين العرب في سوريا، ومناطق مختلفة في تركيا.
الأكراد في غالبتيهم مسلمون، وفي أغلبيتهم يتبعون المذهب السني، إلا أن علاقتهم مع محيطهم كانت دوما مليئة بالاضطراب الشديد. المحيط العربي السني، وتحديدا العراق وسوريا، تبنى الخط «القومي العروبي» ونظر للأكراد وأحلامهم على أنهم أداة في يد «الغرب» و«الإمبريالية» لتقسيم المنطقة، وأن الأكراد من الممكن اختزال كل عطائهم وتاريخهم في شخص واحد هو صلاح الدين الأيوبي الذي دوما ما تذكرنا كتب التاريخ بأصوله «الكردية»، وهذا أقصى شيء من الممكن التواصل معه بالشأن الكردي في العقلية العربية، أما الأغلبية الكردية في إيران فهي تعاني مر المعاناة هي الأخرى، نظرا للسطوة الواضحة للثقافة والعنصرية الفارسية تجاه كل ما هو غير ذلك، ويتجلى ذلك أكثر بحق الأكراد نظرا لكراهية إيران الرسمية ذات المذهب الشيعي لشخصية صلاح الدين الأيوبي وتحقيره، والإقلال من شأنه في العديد من الكتب والمقالات؛ لأنهم يتهمونه بأنه حول مصر والأزهر فيها من المذهب الشيعي للمذهب السني.
اليوم يتجدد الصراع «الكردي» لأجل الدولة، وبينما يجزم الكثيرون من المحللين بأن ظهور مجموعات متطرفة وإرهابية في المنطقة وهي تقاتل بعضها بعضا مثل «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» جميعا، ما هي إلا أدوات رخيصة للقتل والدمار وإعادة رسم الخرائط في المنطقة، ولعل أهم «الاحتمالات» الواردة اليوم هو ميلاد دولة كردية جديدة يكون من ضمنها منطقة كردستان العراقية التي هي «دولة إلا خمسة» تقريبا، فلم يبقَ سوى «إعلان» استقلالها، فالعالم يعترف بها وبجيشها وبوجودها وبأنها «مختلفة» عن سائر العراق، وبالتالي مطلوب «إتمام» هذه المسألة، وهو الذي تقوم بعمله اليوم جماعات «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة»، وهي المسألة التي أدركت تركيا اليوم أنها على موعد مع فاتورة كبيرة جدا قد تهدد أمنها القومي ليس بدواعي الإرهاب، ولكن بدواعي التداعيات الإثنية؛ لأن دولة «الأكراد» قد تليها المطالبة بدولة «العلويين» في لواء إسكندرون.