حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

تنافس علينا!

يعلمنا تاريخ الشرق الأوسط الحديث أن أهم القوى المؤثرة فيه وعليه، والتي شكلت واقعه الجغرافي، كانت كلاً من إنجلترا وفرنسا، اللتين قررتا حسم صراعهما على المنطقة بتقاسم الكعكة فيها. إلا أن الأيام أثبتت لنا لاحقاً أن هذا لم يكن الصراع الأهم في المنطقة، فالصراع الأكثر تأثيراً كان بين إنجلترا والولايات المتحدة. أميركا أدركت أن إمبراطورية بريطانيا إلى أفول، وذلك بعد عام 1945 وبنهاية الحرب العالمية الثانية، التي حسمها التدخل الأميركي. وبدأت الصراعات بين البلدين في التنافس على حصص تنقيب الذهب الأسود النفطي في المنطقة، لكن عملياً كانت بريطانيا تناول شعلة الإمبريالية إلى أميركا لتحملها عنها، وليكون دور بريطانيا المساعدة المخابراتية لتسهيل نشر الديمقراطية الأميركية حول العالم، كما أظهرته كتب وأفلام جيمس بوند، ولتنتقل مركزية الإمبراطورية الجديدة من داونينغ ستريت ووايت هول إلى واشنطن والبيت الأبيض، كما حصل من قبل مع الإغريق في أثينا، الذين استسلموا أمام الدور المتعاظم لروما الجديدة.
مهندس هذا الحراك والتوجه الجديد هو فرانكلين روزفلت، الذي يعتبر بحسب معظم الخبراء السياسيين والمؤرخين أهم رئيس أميركي في العصر الحديث. وفي عام 1944 سعى الرجل في الكونغرس الأميركي إلى تبني سياسة خارجية «لا علاقة لها ببريطانيا»، ورأينا لاحقاً آثار هذه السياسات في مواقع مختلفة في المنطقة؛ في إيران حينما تدخلت أميركا ضد بقايا الوجود البريطاني النفطي، لتنقلب على حكومة رئيس الوزراء مصدق، عن طريق انقلاب مدبر من وكالة المخابرات المركزية، وفي إسرائيل كان وعد بلفور «البريطاني» مدخلاً لتأسيس إسرائيل، لكن الهيمنة الأميركية كانت سبباً لضمان الحماية والسند، ولوحظ التحول الكامل من النفوذ البريطاني في دول الخليج العربي إلى العلاقة الاستراتيجية مع أميركا. وفي مصر تدخل آيزنهاور ضد بريطانيا «وفرنسا وإسرائيل» خلال العدوان الثلاثي عام 1956. وهي المسألة التي جعلت الرئيس السادات بعد سنوات طويلة يقول: «إن 99 في المائة من أوراق اللعبة في يد أميركا».
واليوم حديث عن «الانسحاب» الأميركي من المنطقة، والتكهن بمن سيملأ مكانها، وطرح أسماء كروسيا والصين. لكن الحديث عن روسيا، وهي دولة ذات اقتصاد أصغر من إيطاليا، وبالكاد يتساوى مع اقتصاد إسبانيا، ومعدل الحياة العمرية أقل من ليبيا، وهي مؤشرات لا تخص دولة عظمى، لكن دولة ذات طموحات توسعية. أميركا حتى هذه اللحظة لا تزال تملك أوراق اللعبة الأهم، واهتمامها مركز بشكل أساسي على الصين لأسباب اقتصادية، وهي ترى في اقتصاد الصين المتنامي مشروع تقسيم مستقبلياً متوقعاً، نظراً لمركزية الثراء والثروة في مقاطعات على حساب سائر البلاد الفقيرة جداً، وهي المسألة التي جعلت صانع السياسة الاقتصادية في أميركا يحرص على اتفاقيات بين أميركا والمقاطعات، وليس مع الدولة المركزية.
المنافسة العظيمة التي كانت بين بريطانيا والولايات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط من الممكن أن توفر إجابات مهمة للمشهد الحالي والمستقبلي للمنطقة.