سيهانوك ديبو
عضو رئاسة «مجلس سوريا الديمقراطي»
TT

لا بديل عن الحل التفاوضي في سوريا

على هدي الوقائع تُكْتَشفُ الحقائق، وتتعبد إليها الطرائق. لا علاقة لذلك بأثر الفراشة إنما بممشى الشعوب في أثر الحرية ومغادرة القواقع. أما حراك شعب سوريا في مارس (آذار) 2011 فإنه يصلح خصيصاً هذه اللحظة بأفضل الحقائق، وبأن كل المعارضات السورية المتمثلة في اللجنة الدستورية السورية ربما خدمت فكرة السلطة المركزية ومنظومتها وحرصت عليه أفضل منها على نفسها.
إنه غير مقدّر لأي طرف سوري أن يفرض شروطه الكاملة على الآخرين؛ يرجع ذلك لواقع التدخل الكثيف في سوريا وباحتلال تركيا المستمر لمناطق كبيرة من سوريا، وارتكابها الجريمة تلو الجريمة بحق السوريين وبمقدراتهم هي ومرتزقتها.
كما أن عملية جمع ما بين المناطق المسؤولة عنها الحكومة المركزية مع المناطق المسؤولة عنها قوات سوريا الديمقراطية، تعني إنقاذ نحو 90% من الجغرافيا السورية. وعامل الجغرافيا وبشكل لافت للنظر في الأزمات حاسم لحصول وتحصُّل أي نتيجة. النتيجة نفسها ستؤكد - حال كُتب لذلك أن يبدأ - الاستمرار: بأن سوريا لا مركزية تعني الدولة الوطنية، والوطنية لشعب سوريا المتنوع ولحقيقتها التاريخية أقوى فأفضل بكثير من الدولة القومية المركزية. تتوسع الوطنية وتضم مختلف القوميات بكامل الإدارات الذاتية، على عكسها فإن الدولة القومية يلزم من أجل استمرارها تنميط المجتمع وإنهاء حالة المجتمع السياسي، ليسود مجتمع القلق أقلّه من خلال تفريخ الفساد والمحسوبية والمافياوية السياسية. الأمثلة تعجّ حولنا وسوريا النظام المركزي ليس سوى مثال في طاحونة استعباد الشرق الأوسط في مقصلتيه: القومي والديني الطائفي.
رغم أن فرصة حل قوية تظهر اللحظة؛ الحكومة المركزية السورية في طرف وفي آخر «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والمعارضة الوطنية المغيبة عن مفاوضات جنيف وآستانة واللجنة الدستورية السورية؛ سوى أنه مهم جداً توضيح مسارات مهمة طرأت وشابها التعديل، ورؤى يمكن أن تكون جامعة بين مختلف الأفرقاء؛ بخاصة إذا نالت نصيبها من رعاية؛ هذه المرة عربية، للمفاوضة السورية إلى جانب الرعاة الآخرين: روسيا والاتحاد الأوروبي وأميركا:
1 - يمكن توصيف مسار العلاقة ما بين الإدارة الذاتية والحكومة المركزية السورية بأنها أخذت عدة أشكال ابتداءً بالمهادنة ثم المواجهة الجزئية بالتزامن ولقاءات أربعة رسمية متعثرة (واحد في نهاية 2016، والثاني في بداية 2017، واثنان في صيف عام 2018). لعل الأميز في هذا هو التفاهم العسكري الذي حصل في يومه الرابع للغزو التركي الثالث على شمال سوريا. تفاهم «قوات سوريا الديمقراطية» والجيش النظامي السوري برعاية موسكو. هذا التفاهم من الخطأ أن نعزله عن اجتماع الجامعة العربية الاستثنائي واستقبال وزارة الخارجية المصرية وفد «مجلس سوريا الديمقراطية» يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول)، كما يمكن القول بأنه التفاهم الذي صمد رغم معيقات عدة أبرزها خطاب الإعلام الرسمي السوري المتخشب. رغم ذلك فإنه التفاهم المُهيأ لاحتمالية كبيرة لبدء المفاوضة الحقيقية. وهذا لا يعد احتمالاً مرجحاً بقدر ما هو المُطْلقُ من خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير (مقابلته الأخيرة مع التلفزيون)، وما تبعه من موقف مسؤول لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» في بيانه الأخير عن استعداده لتفاوض غير مشروط مع الحكومة المركزية السورية. التفاوض هو الأسلم والأفضل والأوفر لكليهما.
2 - اقتناع الأطراف المتفاوضة بأن العقد الاجتماعي السوري لم يؤَسَّس بعد؛ يجب تأسيسه، ومن الصعوبة أن يتم إنجازه على يد الدستورية السورية المنعقدة في جنيف هذه اللحظات. وأنه في خيار اللامركزية تكمن صيغة حل الأزمة على أساس مساره السياسي. فحقيقة الأزمة السورية أن لها جذراً تاريخياً بنيوياً معرفياً وسياسياً. لا بد من توصيف مسؤول لبنية النظام الحالي؛ حتى نهيئ المَخرج السليم. يجب أن نقتنع جميعاً بضرورة توزيع السلطة السياسية ما بين المركز والأطراف. والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال ولشرق سوريا جزء مهم من سوريا. لديها صلاحيات، وصلاحيات معروفة بأنها تتبع المركز، وصلاحيات مشتركة ما بينهما. ضمن هذه الرؤى الأساسية تتهيأ دولة المواطنة وتنطلق على طريقها الصحيحة.
3 - السلطة في دمشق جزء من الحل؛ لا يستطيع أحد أن يقول بأن هذا هو طرحنا الجديد؛ لا بل هي المقاربة الثابتة لدينا منذ بداية الأزمة السورية. على الرغم من تأكيد أغلب مكونات «مجلس سوريا الديمقراطية» لذلك قبل الأزمة أن في طبيعة النظام المركزي تكمن المشكلة.
4 - من المهم على السلطة في دمشق أن تقتنع بأن الإدارة الذاتية ليست ضرورة مرحلية أملتها الظروف المشخصة التي مرت وتمر بها سوريا فقط، إنما لهذه الإدارة دواعٍ وأسباب تسبق الأزمة رغم أنها تأسست في الأزمة لتبدو اليوم كحلٍّ متقدم للأزمة. كما أنه من الخطأ أن تفكر جهة ما بأن هذه الإدارة الذاتية لها العلاقة فقط بإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا؛ إنما تعبّر الإدارة عن مسألة مجتمعية لها قضاياها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الوقت ذاته. بشكل أكثر وضوحاً تعبّر الإدارة عن كيفية مشاركة السلطة من قبل مكونات سوريا القومية والدينية وغيرها.
5 - إن الوقت مناسب للتفاوض وفق سلّة الحزمة المتكاملة في ماهية الحل الديمقراطي. وبما يضمن الاتفاق بأن مناطق سورية محتلة من قبل تركيا؛ في مقدمتها عفرين؛ لا بد أن تتحرر. كما أنه من المفترض أن يكون تحرير إدلب منجزاً وطنياً مشتركاً ما بين طرفي الحل في سوريا؛ السلطة في دمشق والإدارة الذاتية. ندرك تماماً أن طبيعة الأزمة السورية معقدة جداً ومتداخلة إقليمياً ودولياً. إلّا أن المبادرة السورية لم تزل ممكنة.
6 - من الخطأ توصيف كل من في المعارضة (الخارجية) بأنه فاقد الصلاحية. يبدو أن ضرورة توسعة «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) وتحولّه إلى منصة للمعارضة الوطنية الديمقراطية بات بالمخرج الفعّال والمطلب المُلحّ، ليس فقط للقوى الديمقراطية والأحزاب العلمانية والشخصيات الوطنية في تلك المعارضة؛ إنما أيضاً لـ«مسد»، وبشكل ما لسلطة دمشق. فإن لملمة الصفوف مثل لململة حالة سوريا التي تشبه الأشلاء المبعثرة؛ في حال تُركت أكثر من ذلك فإن شبح التقسيم لا يزال مخيّماً على سوريا وكل المنطقة، وتهديده بات أكبر بكثير من فترات الأزمة السابقة.
بصيص الأمل السوري في وقف الانتهاكات وجرائم الحرب التركية ضد سوريا وبشكل معلن ضد الشعب الكردي في سوريا متوقف على أن يبدأ التفاوض السوري، وإنْ بدأ سيكون طويلاً. التفاوض هو الأسلم للجميع ولجمع الشرق الأوسط الديمقراطي. لمن يرفض ذلك أو لا يقبله، عليه أن يقول لنا ما هو بديل ذلك.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»