وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

تسعير النفط يحتاج إلى وقفة دولية

أمس ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري أن توقف إنتاج النفط السعودي الشهر الماضي نتيجة الاعتداء على المنشآت في أبقيق وخريص هو أكبر انقطاع للإمدادات في التاريخ، حيث أصاب نحو 6 ملايين برميل يومياً، ومع هذا لا تزال أسعار النفط تتداول أمس عند نفس مستوياتها قبل الهجمات.
ليس هذا وحسب، بل لم يعد السوق يهتم بإضافة علاوة المخاطر (risk premium) على أسعار النفط، والتي كانت في الغالب بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل عندما تكون الإمدادات مهددة. ورغم أن الوكالة التي تتخذ من باريس مقراً لها قالت إن هذه العلاوة قد تعود، ولكن ليس الآن، بسبب انشغال المتداولين في بورصات النفط بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
هذه الأسعار وعدم استجابة السوق للمخاطر الجيوسياسية يقلقان دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والتي لا ترى أي قدرة لها على التأثير على الأسعار هذا العام منذ أن استعرت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
إن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم أمر مهم ويؤثر على الطلب العالمي على النفط، ولكن التأثير سوف يراه الجميع في العام القادم وليس هذا العام، وقد تكون الأرقام مبالغا فيها نوعاً ما، حيث يرى الجميع أن الطلب قد يتأثر بنحو مليون برميل يومياً على الأقل إذا ما استمرت هذه الحرب.
في كل الأحوال فإن الاقتصاد العالمي يعاني ضعفاً هذا العام، ونرى ذلك بوضوح في بيانات الكثير من الدول مثل ألمانيا وغيرها، وهذا الضعف هو ما يجعل الكل قلقاً على مستويات الطلب على النفط وبالتالي الأسعار.
وسط هذه الظروف أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك النيجيري محمد سنوسي باركيندو في لندن الأسبوع الماضي أن أوبك ستفعل كل ما بوسعها لإبقاء السوق متوازنة، ولكن ماذا يعني هذا التوازن؟ على الأرجح تخفيض الإنتاج بشكل أكبر في حالة انخفاض الطلب على النفط.
ولكن هذا الأمر لا يكفي لضمان حقوق دول أوبك والتي تحتاج إلى أسعار نفط عند مستويات بين 70 و80 دولارا لموازنة إنفاقها العام هذه السنة أو حتى في السنة التي تليها. وهنا تجب العودة إلى التفكير في طرق أخرى لتسعير النفط، لأن جعله بيد السوق تركه عرضة للمضاربات والتقلبات قصيرة الأجل من دون النظر إلى العوامل طويلة الأجل.
إن تسعير النفط بصورة متحررة أمر صحي، ولكن ليس في أسواق يغلب عليها المضاربة. على كل حال لقد حاولت أوبك تاريخياً حل هذه المعضلة، ولكنها لم تصل إلى حل نهائي وسحري، وتم اتخاذ الكثير من الخطوات، أبسطها هو التسعير الحكومي المعلن وأعقدها السعر الاسترشادي لسلة نفوط أوبك.
كانت هناك مطالبات في السابق بالاستفادة من سوق دبي للسلع، حيث يتم تداول خام عمان وخام دبي، لكن منتجي أوبك لم يكونوا متشجعين على بيع نفطهم بعقود آجلة على هذه البورصة. وكانت عمان، أو بالأصح وزير نفطها محمد الرمحي، أكثر المتحمسين لهذا الأمر، وكان دائماً ينادي بإنشاء سوق عقود آجلة للنفط في الخليج.
قد تكون فكرة السوق النفطية الخليجية مرفوضة سياسيا، حيث سيتم اتهام دول أوبك كالعادة بالاحتكار والتلاعب في الأسعار، وهو ما لا تريده دول أوبك، ولكن لا بد من وجود حل، مثل تسعير النفط بناء على معادلات تشمل الاقتصاد العالمي والمخاطر الجيوسياسية وحالة العرض والطلب.
هذا قد يرجعنا خطوة إلى الخلف لإيجاد أسعار أكثر عدلاً من الأسعار التي تفرضها السوق الحرة التي تكون فاعلة فقط إذا لم تكن هناك عوامل خارجية تؤثر في المدخلات. ومن بين أبرز العوامل زيادة النقد في السوق بأكثر من اللازم، وهو ما يجعلنا نرى كيف أن مليون برميل من نفط برنت يتم تداولها بعقود بالمليارات على السوق الآجلة. ولهذا أصبح البرميل في السوق الفعلية لا يساوي إلا 10 في المائة من سعره الورقي.
لا أحد يستطيع اتخاذ قرار سهل، وهذا القرار يجب أن يشمل جميع المنتجين في العالم وليس فقط منتجي أوبك، حتى يفهم العالم أن أسعار النفط الحالية ليست مرتفعة كما يظنون، بل إن أوبك قد تحميهم مستقبلاً في حالة شح أو ندرة الإمدادات، إذ إن 100 دولار للبرميل ليست مستبعدة مستقبلاً إذا ما زاد الطلب وبقيت الإمدادات تعاني من صعوبة في زيادة مستوياتها السنوية مع زيادة معدل النضوب في الحقول.