علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

ادخار واستثمار

في عالمنا العربي ينظر لأسواق الأسهم العربية وكأنها الجحيم، وأنها تدار من قبل عصابات هدفها إلحاق الخسائر بالآخرين والاستيلاء على أموالهم ولكن بشكل شرعي عبر البيع والشراء؛ وهم يقصدون بذلك المضاربين. للأسف معظمنا لا يعرف أن المضاربين هم أداة من أدوات السوق، ومن دونهم لا يمكن وجود سوق لأن المضاربين يتعاملون مع السوق بشكل يومي وهم من يضع التسعيرة، هذا أولاً.
أما ثانياً، فالمجتمعات العربية متحولة إما من الريف وإما من البادية إلى الحياة المدنية، لذلك فإن المجتمع لا يثق في مثل هذا النوع من الاستثمارات لحداثتها عليه، لذلك نجد أن بعض الحكومات العربية أخذت على عاتقها إنشاء الشركات كما فعلت الحكومة السعودية حينما أنشأت شركة «سابك»، وبعد ذلك طرحت 30 في المائة للمواطنين، وكان ذلك في نهاية السبعينات الميلادية من القرن الماضي.
وهناك سبب ثالث منع إنشاء الشركات المساهمة ومن ثم قيام أسواق أسهم عربية، وهو قلة ذات اليد، إذ لم تكن في أيدي المواطنين العرب فوائض أموال، لذلك نجد أن أسواق الدول الخليجية هي البارزة بسبب الفوائض النقدية.
للتدليل على ما ذكرناه آنفاً، سأذكر لكم مثلاً واحداً، وهو طريقة طرح بنك الرياض السعودي في عام 1956، حيث تم الإعلان عن طرح جزء من أسهم بنك الرياض للاكتتاب العام، وكانت القيمة الاسمية ألف ريال (266.6 دولار أميركي). ليس هذا هو المهم، المهم أن المكتتب يدفع عشرين في المائة والباقي على أقساط شهرية قيمة كل قسط 200 ريال (53.3 دولار)، وهذا يدل على قلة ذات اليد وعدم توفر السيولة.
لن أطيل عليكم الحديث... فبنك الرياض تطور ورفع رأس ماله ليصل إلى 30 مليار ريال (8 مليارات دولار)، وقسم القيمة الاسمية إلى 10 ريالات (2.6 دولار)، ولكم أن تتخيلوا حجم الأرباح التي حققها المساهم هذا، مع أني لم أحسب لكم العائد الموزع سنوياً مقابل السهم. نسيت في مطلع المقال أن أذكر لكم أن «سابك» حينما طرحت أسهمها طرحت السهم بمائة ريال (26.6 دولار)، ولم تطلب سوى نصف القيمة زائد علاوة إصدار بلغت 18 ريالاً (4.8 دولار)، ولم تطلب شيئاً بعد ذلك. وكان وقتها رأس مالها 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار) لتضاعف رأس مالها إلى 30 مليار ريال (8 مليارات ريال). هذا دون حساب ما تم دفعه مقابل السهم كأرباح سنوية.
وبهذا لعلكم لاحظتم أن سوق الأسهم أفضل قناة للادخار، لأنها تقبل أي مبلغ مالي مهما كان صغيراً، وهذا المبلغ الصغير يكبر مع كل ادخار ليصبح استثماراً يعول عليه عند الحاجة.