تايلر كاون
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

الاقتصاد الإيطالي مشكلة أوروبا

إحدى الحقائق المذهلة بشأن إيطاليا هي أنه خلال العشرين عاماً الماضية، كان نمو دخل الفرد يقترب من الصفر. لم يكن ذلك كساداً، لأنه بات وضعاً طبيعياً. وهكذا يطرح السؤال التالي؛ ما هو النمو الاقتصادي الجيد على أي حال؟
لسوء الحظ، لا يمكن أن تكون بيئة النمو الصفري مستقرة إلى الأبد. الأسباب لذلك كثيرة، فالهياكل تتعاظم، والشركات والحكومات باتت أقل إنتاجية وديناميكية، والقوانين أصبحت أكثر عرضة للتلاعب والاستغلال، ومجموعات المصالح تسعي إلى زيادة قدرتها على الاستيلاء على أجزاء من الكعكة. وإذا لم يزددْ حجم الكعكة فسيصبح من الصعب في النهاية الحفاظ على نشاط منتج وسياسة صحيحة.
الشيخوخة هي سبب آخر يؤكد ضرورة النمو الاقتصادي. فمع تقدم الدول في العمر، سيكون لديها عدد أقل من العمال والمتقاعدين، وبالطبع لدى كثير من الدول (بما في ذلك إيطاليا) أنظمة معاشات باهظة الكلفة. يتعين على شخص ما سداد الفاتورة، ومن دون الابتكار والنمو الاقتصادي، سترتفع الضرائب، مما لا يشجع على العمل، وحتماً سيدفع الناس إلى نشاط السوق السوداء غير الخاضع للضريبة، ما يستلزم معدلات ضريبية أعلى، وبالتالي بدء الحلقة المفرغة من جديد.
هذا هو السيناريو الافتراضي لإيطاليا، باعتبارها إحدى الدول ذات معدل المواليد الأكثر تدنياً في أوروبا وذات الاقتصاد غير رسمي الكبير منذ زمن طويل. تبلغ نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي 132 في المائة، ما يزيد من قيود الاتحاد الأوروبي على عجز ميزانيتها.
هناك حاجة أيضاً للنمو الاقتصادي لمعالجة التغيير. حيث تتسبب الضغوط السكانية في جلب أعداد متزايدة من المهاجرين من أفريقيا، خاصة شمال القارة، إلى أوروبا. وبالطبع، إيطاليا هي المقصد الطبيعي الأول حيث استقبلت بالفعل أعداداً كبيرة من الوافدين. ماذا عسى إيطاليا أن تفعل؟ هل تستقبلهم جميعاً وتساعدهم على الاندماج؟ هل تقيم حواجز جديدة لإبعادهم؟ هل تدفع الدول الأخرى لإيوائهم؟ هل تحاول إقناع الاتحاد الأوروبي بإعادة تفعيل اتفاقية دبلن حتى تعتنى الدول الأخرى بمزيد من الوافدين إلى إيطاليا؟ بغضّ النظر عن الإجابة التي تفضلها، فسوف تتكبد أموالاً باهظة، وهذا يعني أنها ستحتاج إلى نمو اقتصادي.
الاضمحلال هو مشكلة أخرى تواجهها إيطاليا، بما في ذلك اضمحلال تراثها الطبيعي والثقافي. مدينة البندقية – إحدى عجائب العالم ومصدر المال الوفير كوجهة سياحية - مهددة بارتفاع منسوب المياه، والمدرج الروماني مهدد بسبب الأبخرة الناجمة عن عوادم السيارات.
يتطلب حل هذه المشكلات أموالاً إضافية. لكن إيطاليا تعاني من بعض الموروثات الثقافية الأسوأ في العالم الغربي، ويمكن أن يؤدي مزيد من التدهور إلى تقليص دخل السياحة في إيطاليا، ما يتسبب في دوامة هبوط خطيرة أخرى.
للأسف، كانت إيطاليا حتى عهد قريب بمثابة معجزة النمو. حتى الثمانينات من القرن الماضي، كان أداؤها الأفضل بعد الحرب العالمية الثانية، ولفترة من الوقت تفوقت على المملكة المتحدة من حيث دخل الفرد، «ما أثار غضب كثير من البريطانيين وحنقهم». لكن خطأ ما حدث منذ ذلك الحين.
ومن بين أسباب ذلك الوضع القاتم المنافسة القوية من الشركات الصينية، والبيروقراطية المفرطة والتغييرات السياسية المتكررة، وبعض القادة السيئين، والأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين تستخدمهم حكومات البلديات الإيطالية في وظائف منخفضة الإنتاجية، والتفاوتات الإقليمية المتزايدة.
التطور الأخير هو انهيار محتمل للائتلاف الحاكم الحالي، واحتمال أن تحكم البلاد واحدة من أكثر الحكومات الشعبوية في أوروبا بعد الانتخابات المقبلة.
ومن غير المرجح أن يحل اللوم على المهاجرين والاتحاد الأوروبي في معضلات إيطاليا الأساسية. قد تكون أفضل طريقة لدفع الخطاب الانتخابي في إيطاليا إلى الوسط هي جرعة من النمو الاقتصادي المطرد.
على مرّ التاريخ - بدءاً من زمن الإمبراطورية الرومانية وصولاً إلى عصر النهضة وما بعدها - لم تتفوق سوى دول قليلة على إيطاليا في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي.
لا شك أن الإيطاليين اليوم يدركون تراثهم وبفخر شديد، وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم الأوروبيين. ولذلك إذا أرادت أوروبا أن تظل مزدهرة وتتمتع بحكم رشيد، فإنها في حاجة إلى أن ترى إيطاليا مزدهرة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»