أكرم البني
كاتب وصحافي سوري وناشط في مجال حقوق الإنسان وإحياء المجتمع المدني. مواليد مدينة حماة - سوريا 1956. درس الطب البشري في جامعة حلب. يكتب في الشأن السوري.
TT

هل استنفد إردوغان ورقة اللاجئين السوريين؟!

بعيداً عن الادعاءات الإنسانية، يصح التوقف عند أربعة أهداف توخى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحقيقها من اللعب بورقة اللاجئين السوريين والاستثمار فيها.
أولاً، ابتزاز المجتمع الدولي وبخاصة البلدان الأوروبية، بصفته من يضبط تدفق اللاجئين عبر الحدود التركية، ومن له الدور الكبير في تخفيض الهجرة غير الشرعية نحو الغرب، الأمر الذي أنتج اتفاقية لا يزال الاتحاد الأوروبي يسدد بموجبها مليارات الدولارات سنوياً لأنقرة، ولا يغير هذه الحقيقة لوم إردوغان بعض الدول الأوروبية بأنها لم تلتزم تعهداتها، بل يؤكدها تهديد أحد وزرائه بأن تركيا قادرة على إغراق أوروبا باللاجئين، وأيضاً ما ساقه وزير آخر لتبرير إعادة اللاجئين السوريين «بأن حكومة العدالة والتنمية عندما ترغب في عودة السوريين إلى بلدهم، فذلك لتقليل الضغط على اقتصاد تركيا، وكي تستفيد من الأموال التي حصلت عليها من الاتحاد الأوروبي»!
ثانياً، تسخير التعاطف مع اللاجئين السوريين لدعم طموحه الديني، كحامي حمى الإسلام والمسلمين، لا سيما أن غالبيتهم ينتمون إلى الطائفة السنية وعانوا طويلاً من الاضطهاد والتمييز، ومن هذه القناة يمكن النظر إلى مقاربته بين لجوء السوريين إلى تركيا وهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وحض الأتراك على تمثل دور «الأنصار» الذين يستقبلون إخوتهم في الدين من السوريين بصفتهم «المهاجرين»... وأيضاً النظر إلى توظيف حشودهم، لمساندة مشروعه الإسلاموي السياسي في مهرجانات حزب العدالة والتنمية، إنْ تأييداً للاستفتاء الرئاسي، وإنْ ابان الانتخابات البرلمانية، وأسوأها ما أثير عن دور نشط للاجئين سوريين في الحملة التي قادها إردوغان لدعم مرشحه في إعادة انتخابات بلدية إسطنبول، محفوفاً بدور ذليل لعبته وسائل إعلام المعارضة السورية وتصريحات بعض قادتها بإظهارها تأييداً وتعاطفاً صريحين مع حزب العدالة والتنمية ضد خصومه.
ثالثاً، تعبئة خيرة الفتية والشباب من اللاجئين في فصائل موالية له لخوض معاركه ضد القوات الكردية، كما لتسويغ تمدده العسكري في مناطق عديدة على طول الشريط الحدودي، وأوضحها اجتياح مدينة عفرين وما حولها، والبدء بإغراء لاجئين على الاستيطان هناك، لتأسيس مجتمعٍ موالٍ لحكومة أنقرة، دينياً وسياسياً، وفي الطريق استثمار ما يثار عن تفاقم معاناتهم وما يكابدونه للضغط على المجتمع الدولي وتحديداً على الولايات المتحدة لتمرير فكرة إنشاء منطقة آمنة، كلازمة باتت ضرورية لإردوغان كي يعزز دوره الإقليمي، مستقوياً بما يدعيه عن عودة أكثر من ثلاثمائة ألف سوري، إلى مناطق عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» بعد أن طهرتها القوات التركية من الإرهاب.
رابعاً، لم يغِب عن إردوغان هدف الإفادة من رؤوس الأموال التي حملها اللاجئون السوريون معهم، وكذلك من معامل نقلت بكامل آلاتها وتجهيزاتها إلى الأراضي التركية، كما الإفادة من قدراتهم العلمية والمهنية، وهو ما تجلى بالتسهيلات التي منحت للأغنياء منهم وأصحاب الكفاءات، وأيضاً بشروط منح السوريين الجنسية التركية، فحصل عليها نحو تسعين ألفاً، جلهم من النخب المتعلمة وأصحاب الرساميل، والأرقام تشير إلى أن رجال أعمال سوريين أسسوا - عبر رؤوس أموالهم وخبرتهم وعلاقاتهم الدولية - أعمالاً في تركيا، وصلت في أضعف التقديرات إلى ثلاثة مليارات دولار، وأن ثمة أكثر من 15 ألف شركة أسسها سوريون، بلغت صادراتها العام الماضي نحو 1.5 مليار دولار، وساهمت في إنعاش صناعة المنسوجات التركية، والصناعات الغذائية والتقليدية، كما شكلت قوة دافعة لحفز الاستهلاك وسط تراجع القوة الشرائية للأتراك.
واليوم، يبدو مقدراً للاجئين السوريين دفع ثمن الهزيمة التي مني بها حزب العدالة والتنمية في انتخابات البلديات وخسارته مدناً كبرى، كأنقرة وإسطنبول، بدليل تواتر تصريحات إردوغان وقادة حزبه، بأن حكومة أنقرة بدأت اتخاذ خطوات جديدة تجاه اللاجئين، منها حضهم على العودة وترحيل مرتكبي الجرائم، وإلغاء الخدمات الطبية المجانية المقدمة لهم، والأسوأ ما أعلنه مرشح إردوغان لرئاسة بلدية إسطنبول بن علي يلدريم، متوهماً، على حساب اللاجئين، إعادة الناخبين إلى صفه، «بأن السوريين الذين منحوا الحماية المؤقتة، صاروا يشكلون تدريجياً مشكلة اجتماعية وأمنية، بل وخطراً على نساء إسطنبول وأطفالها»! كل ذلك انعكس بتسعير عداء الأتراك للاجئين، وصل لمهاجمة وتخريب بعض متاجرهم، وأيضاً بمزيد من التضييق والحصار على حركتهم، أولها الحملات التي بدأتها السلطات التركية لمطاردتهم في المدن الكبرى وإرسالهم إلى البلدات الحدودية التي سجلوا فيها أو إلى الأراضي السورية، وأوضحها ترحيل مهجرين من دمشق وريفها كانوا يقطنون غرب مدينة إسطنبول، إلى منطقة عفرين، بعد إساءة معاملتهم في مراكز التوقيف وإجبارهم على توقيع أوراق تفيد بأن عودتهم كانت طوعية!
صحيح أن وجود أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري على الأراضي التركية يشكل عبئاً على الاقتصاد والبنية التحتية الخدماتية، وصحيح أن السوريين ينافسون جموع الأتراك على فرص العمل، وأنهم يقبلون بأجور أدنى، وأن بعضهم يتمسك بمسلكيات يومية لا يقبلها الأتراك ويتورط أفراد منهم في أعمال مخلة بالأمن، لكن الصحيح أيضاً أن كل تلك الظواهر ليست الأساس في أزمة حزب العدالة والتنمية، فالأمر يعود لأسباب أكثر عمقاً، منها التداعيات السلبية التي خلفتها حملات الاعتقال الواسعة ضد من اعتبرهم إردوغان مشاركين في المحاولة الانقلابية الفاشلة، وتضييق الخناق على النقد والحرية الصحافية ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي بدأ يؤلب الرأي العام ضده كديكتاتور ومستبد، ومنها حالات الفساد المستشري في الحكومة والتعيينات المشبوهة لأقرباء إردوغان ومريديه في مناصب حساسة، ومنها هبوط الليرة التركية وارتفاع مستوى التضخم والبطالة وظواهر التردي الاقتصادي الناجمة عن تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن والعقوبات التي أقرتها الأخيرة على تركيا، إنْ بسبب تفاوت المواقف من انتهاكات حقوق الإنسان، وأكثرها حساسية قضية القس الأميركي برونسون، وإنْ بسبب التباين في الترتيبات العسكرية والأمنية في شمال وشرق سوريا، وإنْ بسبب إصرار حكومة أنقرة على استجرار صواريخ «إس 400» من روسيا، ويبقى الصحيح أخيراً أنه ليس غريباً على إردوغان أن يضحي، من دون أن يرف له جفن، باللاجئين السوريين، وأن يسارع، ببراغماتيته البغيضة، لإلقاء اللوم عليهم وجعلهم كبش فداء للالتفاف على الأسباب الحقيقية لما آلت إليه شعبيته وشعبية حزبه.