ليونيد بيرشيدسكي
TT

على الولايات المتحدة حسم أزمة هرمز من دون أوروبا

يأتي إرسال الولايات المتحدة مهمة بحرية إلى الخليج بمثابة اختبار لما إذا كانت أميركا لديها أي حلفاء جادين في أوروبا بخلاف رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون. ويبدو أن ألمانيا، على الأقل، ليست ضمن حلفاء واشنطن.
وقد طلبت الإدارة الأميركية رسمياً من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، الانضمام إلى مهمة بحرية لتأمين مضيق هرمز، ومحاربة العدوان الإيراني، وفي برلين سخرت المتحدثة باسم السفارة الأميركية، تامارا ستيرنبرغ جريلر، قائلة: «لقد كان أعضاء الحكومة الألمانية واضحين بشأن ضرورة حماية حرية الملاحة، لكن سؤالنا هو حمايتها من قبل مَن؟». وقد رفضت ألمانيا الطلب الأميركي؛ ولذلك فقد كان جوابها هو: «ليس من قبلنا».
وعلى عكس فرنسا، أو المملكة المتحدة، فإنه في ألمانيا يجب أن يوافق البرلمان على نشر القوات الألمانية، كما أن جميع القوى السياسية، تقريباً، تتحالف ضد المشاركة في أي مهمة أميركية ضد إيران.
والأهم من ذلك، أنه لا يوجد حزب في الائتلاف الحاكم يؤيد هذه الخطوة، وحجة الاشتراكيين الديمقراطيين، والتي عبر عنها المتحدث باسم المجموعة البرلمانية للشؤون الخارجية، نيلز شميد، هي أن «أي قوة أوروبية في الخليج ستكون رهينة لموقف لا يمكننا السيطرة عليه، وهذا يعني الالتزام بشكل أساسي بالمشاركة في أي صراع إلى جانب الولايات المتحدة»، وأضاف: «لن نتمكن من الانسحاب إذا قررت الولايات المتحدة التصعيد».
ويتخذ حزب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، موقفاً أكثر غموضاً، فعلى الرغم من أنه ليس مهتماً بالانضمام إلى عملية بقيادة الولايات المتحدة، فإنه منفتح على المشاركة في مهمة أوروبية، وقام عضو الحزب، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني، نوربرت روتغن، بالتغريد على حسابه على «تويتر»، الأربعاء، قائلاً: «أي مهمة من هذا القبيل يجب أن تكتفي بمراقبة الوضع فقط، وألا تنخرط عسكرياً».
ومن بين القوى الأوروبية العسكرية الثلاث الكبرى، فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، تبدي ألمانيا الاهتمام الأقل إزاء ما يحدث في مضيق هرمز، حيث تحصل برلين على معظم نفطها من روسيا، وغيرها من البلدان التي لا توجه شحناتها عبر هذه المنطقة، وبالتالي فإن أمن الطاقة فيها لن يتأثر بأي اضطراب هناك.
أما فرنسا فلم تعلن قرارها بعد. فمن جانبه، تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى نظيره الإيراني، حسن روحاني، الثلاثاء، في محاولة لتخفيف التوترات مع الولايات المتحدة، وقد يُصدر قراراً بشأن المشاركة بسفن في أي عملية تقودها الولايات المتحدة، أو بعض الجهود الأوروبية البديلة، بعد الاجتماع الذي سيعقد في بريطانيا، هذا الأسبوع، بين ممثلين عسكريين من أوروبا والولايات المتحدة.
وتحصل فرنسا على الكثير من نفطها الخام من الخليج، حيث تعد المملكة العربية السعودية هي المصدر الأول لها؛ ولذا فهي، على عكس ألمانيا، لديها مصلحة مباشرة في المنطقة، وهذا أحد أسباب تردد ماكرون.
لكن وجهة نظر شميد منطقية بالنسبة لألمانيا وفرنسا، على حد سواء؛ وذلك لأنه بالنظر إلى مزاج ترمب، وتغير مستشاريه، فإن إرسال سفن حربية إلى الخليج ينطوي على خطر الانخراط في حرب أميركية أخرى في الشرق الأوسط.
وكانت فرنسا، مثل ألمانيا، محظوظة لأنها تمكنت من تفادي المشاركة في حرب العراق في عام 2003، لكنها لم تتفادَ تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2011 في ليبيا، ولا تزال فوائد مشاركة أوروبا في تلك العملية محل تساؤلات، حيث كانت الفوضى في ليبيا بمثابة نقطة انطلاق رئيسية لطالبي اللجوء المتجهين إلى أوروبا في عام 2015.
في المقابل، فإن المملكة المتحدة المستفيد الأكبر من هذه اللعبة، حيث يستمر احتجاز إيران للناقلة البريطانية «ستينا إمبيرو»، كما أن السعودية هي المورد الرئيسي لوقود الطيران في البلاد.
وبالنظر إلى قوات المملكة المتحدة غير الكافية في الخليج، وتقلص وضع البحرية الملكية هناك، فإن حرص المملكة على العمل مع الولايات المتحدة أمر مفهوم، وعلى عكس ألمانيا وفرنسا، لم تسع بريطانيا مطلقاً إلى الاستقلال عن واشنطن، وقد يكون جونسون محقاً في التعاون مع الولايات المتحدة حتى إذا كان شركاؤه الأوروبيون لا يفعلون الأمر نفسه؛ وذلك لأن أميركا أقوى منهم، كما أن جونسون مصمم على فصل بلاده عن الاتحاد الأوروبي قريباً، على أي حال.
المؤكد أن الولايات المتحدة قادرة على تأمين مضيق هرمز دون أي مساعدة أوروبية، لكن صعوبة حصولها على مثل هذه المساعدة تُظهر الفجوة الموجودة داخل التحالف عبر الأطلسي، حيث دفعت سنوات من المغالطات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة حلفاء الناتو الرئيسيين ليكونوا أكثر حذراً تجاه المشاركة حتى عندما تقترح الولايات المتحدة القيام بمجرد عملية لتأمين طريق شحن رئيسية، وليس شن حرب شاملة على بلد بعيد، وقد بات من غير المحتمل اليوم أن تحصل على تحالف غربي واسع.
ورغم ذلك، فإنه من الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة أن تقرر الخوض في الأمر وحدها، وذلك لأن الأوروبيين قد يقضون أسابيع وأسابيع لمناقشة عملية مشتركة خاصة بهم دون اتخاذ أي قرار بشأن أي شيء.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»