إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

صورة صدّام

ما عقوبة نزع صورة رئيس الجمهورية من مكان عام؟ السؤال مطروح في فرنسا بعد تكرار عمليات اختطاف الصور الرسمية للرئيس ماكرون من أماكنها في مباني البلديات. أكثر من 700 شاب وشابة من أنصار حماية البيئة، شكلوا فرق «كوماندوس» في مختلف المدن وتمكنوا خلال الأشهر الستة الماضية من إزالة 65 صورة لرئيس البلاد. هي عمليات «سلمية» كما يقول الناطق باسم المجموعة. هدفها القريب نزع 125 صورة قبل انعقاد قمة الدول الصناعية السبع في مدينة بياريتز الفرنسية، أواخر الشهر المقبل. أما الهدف الأبعد فهو نزع الرئيس نفسه. والطريف أن القانون لا يلاحق هؤلاء بتهمة التعرض لرئيس الجمهورية بل بتهمة إتلاف ممتلكات عامة.
ما أكثر حكايات تغيير صور الرؤساء والزعماء في العالم! كنا في رام الله، منتصف الشهر الحالي، لحضور ملتقى فلسطين للرواية. ذهبنا لزيارة متحف الرئيس عرفات. مبنى حديث أنيق بالغ التنظيم.
وتفرجنا، خلال الجولة، على المكتب البسيط لصاحب المتحف وعلى سريره السفري الذي كان ينام عليه طوال حصار الإسرائيليين له. وكانت هناك صالة تعرض آلاف الصور لعرفات مع كل من يخطر على البال من قادة العالم وزعماء حركات التحرر. قضى أبو عمار نصف عمره في الطائرات. والنصف الثاني في المفاوضات العسيرة والأحضان والقبلات.
ومن فرائد المتحف صورة له مع اللواء محمد نجيب، عام 1953. وكان عرفات، مع وفد من طلاب فلسطين الدارسين في القاهرة، يقوم بتسليم خطاب تأييد إلى أول رئيس لمصر بعد الثورة.
من بين كل الصور مع زعماء العرب وآسيا وأفريقيا والفهود الأميركان السود ومناضلي القارة اللاتينية، لم تكن هناك صورة لعرفات مع صدام حسين. سألت البنت الدليلة فقالت إن هناك صورة بالتأكيد. عادت معي إلى صالات المتحف ولم نعثر عليها. أمر يثير الاستغراب، ليس بسبب الثمن الكبير الذي دفعه الفلسطينيون بعد اصطفاف عرفات إلى جانب الرئيس العراقي بعد غزو الكويت، بل لأن بغداد لم تتخلَّ عن واجباتها تجاه فلسطين في أي وقت من الأوقات. وتحدث كثير ممن التقينا بهم عن {مقبرة شهداء الجيش العراقي} في جنين، أولئك الذين فكوا الحصار عن قلعتها في حرب 1948. قالوا إن أهالي المدينة ما زالوا يذهبون للاعتناء بالمقبرة حتى اليوم. وكان أحد المتحدثين في الملتقى قد أشار إلى الجميل الذي يحفظه الفلسطينيون للعراق الذي استقبل في جامعاته الآلاف من طلبتهم.
ما قيمة صورة؟ ذهب صدام وانشغل جيش من البشر بإزالة صوره وتماثيله. لكن التجاوز على التاريخ، ولو بأطيب النوايا، لا يغيّر شعرة مما جرى. تنقلب الشعوب وتذهب رؤوس وتأتي رؤوس وتحفظ الموسوعات الإلكترونية تفاصيل الذاكرة. كل شيء موثّق بالصوت والصورة. وقد سألت سيدة من أهالي بلدة بيرزيت عمّن رسم صورة صدّام في وسط البلدة فقالت إن الصورة موجودة هناك من زمان.
والحكاية تجرّ الحكاية. في عام 2004 حسبما أذكر، دعي وفد من نادي الصحافيين العرب في باريس لزيارة اليمن والتجول في مدنها. ونظموا للوفد لقاء مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقبل الدخول عليه مررنا بصالة ملحقة بمكتبه تعرض هدايا الزعماء العرب والأجانب، من دروع ولوحات وسيوف ونفائس. ولفت انتباهي خلو المكان من أي هدية من صدّام حسين، رغم أن بغداد وصنعاء كانتا قد ارتبطتا بمجلس للتعاون العربي. وبكل براءة، دفعني شيطاني الخناس إلى سؤال أحد المرافقين: «أليست هناك هدية من صدّام؟». وببراءة مماثلة أجاب المرافق: «أوووه، هدايا كثيرة لكننا أخفيناها».